شيماء محسب يكتب | الهوية الافتراضية وماذا بعد..!

0

استحدثت التكنولوجيا الكثير من المفاهيم الحديثة وأحدثت تغييرًا ثقافيًا على العديد من المستويات العلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها، مستحدثةً فضاءً افتراضيّا وعلاقات افتراضية وجماعات افتراضية وكذا هويات افتراضية.
المجتمع الافتراضي أصبح واقعا اجتماعيا لا بد من الانضمام إليه بدافع التخلص من ضغوطات اجتماعية ونفسية، والانخراط فيه يساهم في تفتيت معايير الانتماء الاجتماعي والقيمى، وإن كانت كل هذه الفضاءات والعلاقات الافتراضية، تطرح إشكالات على مستوي التوازن بينها وبين الفضاءات التقليدية، فإن الهوية الافتراضية لا تطرح فقط إشكالات مفاهيم، بقدر ما تطرح إشكالات على مستوي البنية والوجود الافتراضى، لأن الممارسات الافتراضية التي تتعلق بالهوية لها امتداداتها ومداها وتأثيراتها في الهوية الوجودية للفرد، وعلى أبعادها الثقافية والاجتماعية.
تعتبر الهوية الافتراضية من المفاهيم الطارئة على الحقول الأكاديمية الإنسانية والاجتماعية، لأنها هي الشخصية التي يتم إنشاؤها من طرف المستخدم الإنسان الذي يعمل كصلة وصل بين الشخص الطبيعي والشخص الظاهري للمستخدمين، أي هي مجموع الصفات والرموز والبيانات التي يستخدمها الأفراد في تقديم أنفسهم للآخرين في المجتمعات الافتراضية، ويتفاعلون معهم من خلالها.
وتكتمل هويته الافتراضية من خلال استخدام اسم مستعار وعادة ما يرمز هذا الاسم إلى اتجاه الفرد وفكره، أو الاستعانة بصورة رمزية لهويته الافتراضية، وفي الغالب يستخدم صورة شخصية معروفة تعبر عن انتمائه وقدوته في الحياة، وانطلاقا من هنا يكون الفرد قد كوّن لنفسه هوية افتراضية قائمة على اسم وصورة مستعارة.
واستقطبت الهوية الافتراضية الأنظار إليها بطريقة مكثفة لعديد العوامل المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على خلق سياقات اجتماعية وثقافية جديدة وبناء أنماط غير مألوفة في العلاقات الاجتماعية وما تبعها من مظاهر هوياتية فردية وجماعية.
من خلال الانفتاح على الثقافات الأخرى والاحتكاك بها وصفة الفضول وحب المغامرة والتميز الذي تتصف بها فئة الشباب، نجد هذا الأخير يتقمص قيما جديدة لثقافة ومجتمع آخر غير الذي ينتمي إليه، بالتالي تشكل هويته الافتراضية التي تتماشي مع المجتمع الافتراضي الذي يتفاعل معه، فيبني لنفسه هوية افتراضية تختلف عن تلك التي اكتسبها من خلال التنشئة الاجتماعية، ورغم أنها هوية افتراضية ومؤقتة بحيث تظهر فقط في تعامله في المواقع الإلكترونية إلا أن لها تأثير على علاقاته الاجتماعية مع الواقع الاجتماعي من أفراد، قيم ومؤسسات خاصة، وإن كانت هذه الأخيرة لا تخدم أهدافا وغايات الفرد العصرية، لا سيما نمط التفاعل والتواصل، ما يؤدي إلى صراع بين الهوية الاجتماعية القائمة على نظم اجتماعية وثقافية محددة والافتراضية القائمة على اتجاهات وميول الشباب الفردية المختلفة عن الواقع الثقافي والاجتماعي.
عادة ما تصطدم هذه القيم الثقافية مع الأفراد، لا سيما الشباب الذي يسعي دائما إلى ما هو جديد وله من الفضول لمعرفة كل ما هو غريب ومرفوض من المجتمع كنوع من أنواع التمرد على هذا المجتمع الذي لا يعترف بقيمه الحديثة، كما أن هويته الافتراضية التي يبنيها لنفسه تسمح له باكتشاف ذاته وقدراته من خلال تبادل الآراء والاتجاهات مع أفراد آخرين، ما يمنح هذا المجتمع هوية خاصة للأفراد فتصطدم الهوية الافتراضية مع الهوية الثقافية للمجتمع الواقعي المتمثلة في القيم والمعايير كآليات للضبط الاجتماعي التي ترفض أي تعديل أو تغيير في قيمها، وهنا يبدأ الصراع بين الطرفين في محاولة كل طرف لإثبات ذاته وهويته، وقد يؤدي هذا الصراع إلى فقدان الفرد لرباطه الاجتماعي مع مجتمعه نتيجة انعزاله عنه لانشغاله ببناء علاقات في مجتمع آخر أكثر حرية وهو المجتمع الافتراضي، وهو ما قد يولد شعورا بالاغتراب لدي الشباب أو الأفراد بصفة عامة إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي كمجتمع افتراضي يخلق هوية افتراضية للشباب تتبني قيم ومعايير غريبة عن الهوية الثقافية له باسم الحداثة، هل معالم الهوية الافتراضية التي تطرحها تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة واضحة؟، كيف تؤثر الهوية الافتراضية على الهوية الثقافية والاجتماعية لمجتمعنا؟، وما هي الآثار الاجتماعية والنفسية والثقافية التي تعود على أفراد مجتمعنا من وراء هذه الهوية؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.