طلعت رضوان يكتب | قصة الفلاح الفصيح (1-3)

0

قصة الفلاح الفصيح: الجمع بين الواقع والصياغة الأدبية
الفلاح الذى شبّه العدالة بالميزان
البردية التى أخذتْ اسم (الفلاح الفصيح) وذاعتْ شهرتها ترجمها كل من عالم اللغويات والمصريات البريطانى (جاردنر) والعالم الألمانى (أدولف إرمان) والعالم الألمانى (فوجلزانج) والعنوان الأصلى للقصة (ساكن الحقل) وفى رأى معظم علماء المصريات أنها (فى الغالب) عن واقعة حقيقية حدثتْ فى عهد الملك (خيتى) أحد ملوك هيراكليوبوليس (أهناس المدينة) فى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد. وذكرماسبيروأنّ هذه القصة لها ثلاثة مخطوطات: إثنان فى لندن وواحد فى برلين.
بطل القصة اسمه (خنوم أنوب) فلاح من وادى النطرون. قال لزوجته (ميرى) أنه سيذهب للمدينة لـيُحضرالطعام للأطفال..وأخذ ستة مكاييل من القمح ليستبدلهم (= المقايضة) بسلع أخرى..وترك عشرين مكيالا لزوجته وأطفاله..وأخذ معه بعض الطعام والبيرة (حِنكتْ) وهى المشروب الشعبى فى مصرالقديمة..ولما اندهشتْ الزوجة قال لأنّ السفرقد يطول..وحمل على حماره بعض النباتات والملح..وعندما وصل لمدينة أطفيح اعترضه (تحوت- نخت) الذى طمع فى الزكائب التى يحملها الحمار..ولكى يحتال على الفلاح وضع قطعة من النسيج وفرشها على الطريق..وقال للفلاح ((أتريد أنْ تطأ ملابسى؟)) فقال الفلاح: سأفعل ما تريد وابتعد عنه..ولكن تحوت نخت قال له: أتريد أنْ تجعل قمحى ممرًا؟ وظلّ يتربص به ويستفزه..وأخيرًا قال له: سآخذ حمارك أيها الفلاح لأنه يأكل قمحى. أخذ الفلاح يرجوه أنْ يُعيد إليه حماره ومتاعه. رفض (تحوت– نخت) وأصرّعلى موقفه، فذهب الفلاح خنوم أنوب إلى مديربيت الحاكم وبدأ يحكى له شكواه.
الشكوى الأولى:
يا مديرالبيت العظيم إذا ذهبتَ إلى بحر العدل، فإنّ الهواء لن يُمزق قلاعك..ولن يُحطم قاربك. دعنى أجعل اسمك فى هذه الأرض يتفق مع قانون العدل، فتكون حاكمًا مع الخير..وليس مع الشر..وتكون شريفـًا بعيدًا عن الدنايا. إنى أتكلم فهل لك أنْ تسمع؟ أقم العدل.
وبعد أنْ استمع المديرإلى ملخص الشكوى ذهب إلى الحاكم وقال له ((إنّ أحد الفلاحين سـُـرق متاعه..وقد حضرليتظلم..وفى الحق أنه فصيح)) فقال الحاكم ((طالما أنه فصيح فاجعله يمكث لدينا مدة من الزمن لنسمعه..وعليك أنْ تمد زوجته وأطفاله بالطعام وكل ما يلزمهم..وقـدّم الطعام والحِنكت (البيرة) إلى الفلاح وعاملوه بكل رفق. ثم طلبه ليستمع لشكواه.

الشكوى الثانية:
قال الفلاح ((أنت مثقال ميزان الأرض..وخيط الميزان. لا تتذبذب. إنّ السيد العظيم يأخذ حقه فقط..ولاينهب حق غيره. أليس من الخطأ أنْ يميل الميزان وتنحرف ثقالته؟ ماذا يحدث لوأنّ كيـّال الغلال عمل لمصلحة نفسه؟ لذلك يجب أنْ يُحكم عليه بمقتضى القانون. فمن الذى يكبح الباطل؟ ومن الذى عليه القضاء على الفقر؟ والحكمة تقول: عامل الناس بما تحب أنْ تـُـعامل به. إنّ السرقة عمل مشين. وأنت قائد قارب الحكم والدفة فى يدك..ومع ذلك فإنك لاتردع اللصوص وتتركهم يعتدون على الفلاحين. إنّ كيــّـال الغلال يعمل لمصلحة نفسه، ولذلك يجب أنْ يــُـقدّم حسابه تامـًـا، دون نقص أوتلاعب فى الكشوف..ويجب عليك أنْ تحكم بالقانون، عند حدوث السرقة..وكيف تسمح بأحام الباطل؟ وكيف ستقضى على الفقر، وأنت تترك اللصوص ينهبون مخازن الغلال؟ إنّ العمل الطيب يعيش طويلا..والحكمة تقول: عامل الناس بما تحب أنْ تــُـعامل به.
ينهض الأمير..ويتمشى فى المكان..ويستمع للفلاح بكل انتباه، بينما واصل الفلاح حديثه فقال: تأمل: إنك قوى وشديد البأس..ومشهورعنك صفة الرحمة، فكيف تترك الرجل الفقيرلينهشه الحزن؟ إنّ الحزن يقضى على الأقوياء..وليس على الضعفاء (فقط) اجعل لسانك يتجه إلى الحق..ولا تضل. إنّ لسان الإنسان قد يضره (هذا التعبيرالذى قاله الفلاح منذ آلاف السنين، تعاقب مع الأجيال التالية من شعبنا، وصارفى العصر الحديث: لسانك حصانك، إنْ صنته صانك، وإنْ هنته هانك)

الشكوى الثالثة:
اكبح جماح السارق. دافع عن الفقير. لا تقف ضد الشاكى. احذرمن غضب أوزير(إشارة إلى الحساب فى الآخرة) وقــّع العقاب على من يستحق العقاب..هل يُظهر (توت) تساهلا؟ (إشارة إلى إله الحكمة) اجعل نفسك معادلا للميزان واللسان.
لا ترد على الخيربالشر. ما أكثرالكلام من عشب خبيث. إنّ أصدق وزن للبلاد هو إقامة العدل. لاتكذب وأنت عظيم وأنت الميزان. إنك على مستوى واحد من الميزان، فإذا انحرف انحرفتَ أيضًا. امسك حبل الدفة وأوقف كل مغتصب..والعظيم لايكون عظيمًا إذا تملكه الجشع. لسانك هوثقالة الميزان..وقلبك هوما يوزن به. فإذا سترتَ المجرم فمن يكبح الشر؟
وعندما بدأ فى التطاول وإهانة الحاكم ضربه مديرالقصر..ولكن الأميرأوقفه، وطلب من الفلاح مواصلة حديثه فقال للحاكم: إنك مثل التونى الذى يعبربالناس فى سفينته..ومثل رئيس الخبازين لايسمح بالغش فى الخبز..ولكن عندما يسود الظلم فأنت مثل سفينة لاربان لها..وبلد لاعميد له..ومثل عصابة لامرشد لها. إنك حاكم يسرق وعميد قرية يقبل الرشوة..ومثل المفتش الفاشل الذى كان يجب عليه أنْ يقطع دابرالتخريب..ولكنه أصبح مثالا للمجرم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.