عادل الباجوري يكتب |العرب في الحرب الأخيرة

0

منذ اندلاع العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل مطلع يونيو 2025، عقب الضربة الإسرائيلية المفاجئة التي استهدفت منشآت عسكرية في العاصمة الإيرانية طهران وأسفرت عن خسائر غير معلنة رسميًا، خيمت على المنطقة سحابة من التوتر والقلق الإقليمي. الرد الإيراني جاء سريعًا وشمل هجمات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة على مواقع إسرائيلية ومصالح إقليمية مرتبطة بها. في هذه الأثناء، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ليست طرفًا في هذه العملية، وأن ما تقوم به إسرائيل هو “تحرك منفرد”، في محاولة منها لفصل نفسها عن تداعيات هذا التصعيد.

وسط هذا المشهد المتوتر الذي يضج بالدخان والصواريخ، يُلاحظ الغياب شبه الكامل للموقف العربي الفاعل، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي. البيانات الصادرة من بعض الدول العربية اتسمت بالعمومية وعدم التحديد، وغابت عنها أي مؤشرات إلى مبادرة جماعية أو موقف موحد. وبينما تشتعل المنطقة بصراع تتجاوز تبعاته الحدود الجغرافية، يكتفي الشارع العربي بالمراقبة، متأرجحًا بين الخوف من الانزلاق إلى صراع أوسع، والتطلع إلى دور عربي قادر على تجنيب المنطقة مزيدًا من التصعيد.

ولا يمكن فصل الموقف العربي الحالي عن واقع الانقسام الإقليمي القائم. فقد أقدمت بعض الدول العربية على توقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، في حين تقيم دول أخرى علاقات سياسية واقتصادية مع إيران. هذا التفكك في شبكة المصالح العربية يضعف القدرة على اتخاذ موقف جماعي واضح، ويجعل العديد من العواصم العربية في وضع حرج، تخشى فيه خسارة مكتسباتها مع أحد الطرفين.

اللافت أن بعض الدول – في إطار ما يمكن تسميته بـ”الحياد الحذر” – مارست أدوارًا خفية كفتح أو إغلاق مجالاتها الجوية، أو اعتراض طائرات مسيَّرة. ورغم أن هذه التحركات لا تُعلَن رسميًا، إلا أنها تعكس انخراطًا غير مباشر قد يُفقد هذه الدول صفة الحياد لاحقًا.

ورغم خطورة هذا الصراع واحتمالات امتداده إلى ساحات عربية أو تأثيره على استقرار المنطقة بأكملها، لم تُسجَّل أي مبادرة عربية جماعية، سواء من جامعة الدول العربية، أو من مجلس التعاون الخليجي، أو من أي إطار إقليمي مشابه. هذا الغياب يثير تساؤلات حقيقية حول جدوى الكيانات الإقليمية القائمة، ومدى قدرتها على الاستجابة لمخاطر تمس الأمن القومي العربي بشكل مباشر.

إن الموقف السلبي أو “الصمت الرسمي” قد يُفسَّر على أنه تواطؤ أو عجز، خاصة في ظل انكشاف شعوب المنطقة أمام سيناريوهات اقتصادية وأمنية شديدة التعقيد. فالموقف المتراخي لا يمنع تداعيات الحرب، بل يفتح المجال لقوى غير عربية لتتصدر مشهد ما بعد الصراع.

ومن المؤكد أن أي تسوية محتملة أو اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران سيمهد لإعادة ترتيب خارطة النفوذ في المنطقة. وفي هذا السياق، يُخشى أن يتم تهميش الدور العربي في أي مفاوضات أو تسويات مستقبلية، خاصة إذا ظل غائبًا عن مراحل التصعيد والتهدئة. وقد تبرز قوى إقليمية غير عربية – مثل تركيا أو باكستان – لتملأ هذا الفراغ، بما يُعيد تشكيل ميزان القوى الإقليمي على حساب المصالح العربية.

في النهاية، يبقى السؤال المهم: هل سيمر تهميش الأنظمة العربية مرور الكرام؟ أم ستطفو على السطح موجات غضب شعبي جراء شعور متنامٍ بالعزلة والتهميش؟ الواقع يشير إلى أن الشعوب، رغم صبرها الطويل، قد لا تقبل باستمرار الغياب العربي في ملفات تتعلق بمصيرها وهويتها وأمنها الاستراتيجي.

وعلى كل الأحوال، يبقى المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات. فقد تتصاعد الحرب إلى مستويات خطيرة، أو يُتوصل إلى اتفاق يُنهي النزاع مؤقتًا. وفي كلتا الحالتين، من المؤكد أن الشرق الأوسط لن يعود إلى ما كان عليه قبل يونيو 2025. ستبرز قوى جديدة، وسيتراجع دور آخرين، وقد تُعاد صياغة التحالفات. عندئذ، سيتحتم على العرب أن يقرروا: إما أن يكونوا فاعلين في صياغة مستقبلهم، أو أن يستمروا في دور المتفرج، مع ما يحمله ذلك من خسائر سياسية واستراتيجية قد يصعب تعويضها لاحقًا، لا سيما وأن المستقبل سيتم رسمه بأيدٍ خارجية على مستطيل الشرق الأوسط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.