عادل الباجوري يكتب | وداعًا شيكابالا

0

في يوم حزين لكرة القدم المصرية ، أُسدل الستار على رحلة آخر الفرسان . محمود عبد الرازق حسن فضل‌
الله ( شيكابالا ) ، ابن الأرض السوداء ، ابن أسوان ، الذي جاء من حضن النيل ليكتب اسمه بحروف من ذهب‌
في تاريخ كرة القدم المصرية ، اليوم يقرر إنهاء فصل زاخر من حياته ويعلن رحيله عن المستطيل الأخضر‌
بعد أكثر من عقدين من الإبداع والوفاء ، اليوم تتشح الساحرة المستديرة بالسواد لتعبر عن حزنها على فراق‌
من لامسها بحب ، وغازلها بصدق ، وسددها بعزم ، من أحبها من أعماق القلب ، فبادلته عشق الملايين ، اليوم‌
نقول وداعًا، أيقونة العاطفة والفن ، فارس القوس والسهم ، وداعًا للطيبة والصفاء ، للإخلاص والنقاء .
ربيب مدرسة الفن والهندسة ، نشأت وترعرعت بين جنبات نادي الزمالك. شربت من نبع المواهب الذي لا‌
ينضب ، فَسَرْت في شرايينك دماء العشق الأبيض، وانضممت إلى كوكبة الموهوبين المخلصين، أبناء هذا‌
النادي العظيم .
منذ اللمسة الأولى ، أدرك عشّاق الساحرة المستديرة أنهم أمام موهبة استثنائية ، لا تتكرر إلا نادرًا. بقدمك‌
اليسرى ، صلت وجلت ، راوغت الكرة وداعبتها كما لو كانت امتدادًا لروحك . لم تكن مجرد لاعب، بل كنت‌
أنشودة تتغنّى بها الجماهير، كلما لامست الكرة قدميك . كنت سهمًا يخترق الشباك ، حاملًا معه آمال العشاق ،‌
بين آهات العشق وصيحات الانتصار. نعم ، لقد أمتعتنا يا شيكابالا، أيها الشاب الأسمر، بموهبتك النادرة التي‌
قلّما جادت بها ملاعب كرة القدم‌ .
شيكابالا الذي سطَّر مسيرة امتدت لسنوات طويلة ، ارتدى خلالها قميص الزمالك في أكثر من ‌350 مباراة ،‌
سجل خلالها عشرات الأهداف وصنع مثلها ، لكن الأرقام لم تكن يومًا كافية لتصف ما فعله الفتى الأسمر. لأنه‌
لم يكن يسجل الأهداف فقط، بل يرسم السعادة على وجوه الملايين ، ويعيد الحياة لمدرجات كانت تخفت أحيانًا‌
ثم تعود لتشتعل بهتاف ( شيكا… شيكا… شيكابالا! )
قاد الزمالك للفوز بـعشرات البطولات وسجل أهدافاً لا تُحصي ، لكن كل رقم كان مجرد ظل لصوت‌
الجماهير حين تهتف بأسمه وبأسم النادي ، وعاد من كل رحلة احتراف ليؤكد أنه ابن البيت الأبيض الذي لا‌
يعرف الهروب ولا الخيانة.‌
لم يكن طريق شيكابالا مفروشًا بالورود. واجه انتقادات، وحُورب أحيانًا ، لكنه صمد.‌
بقي وفيًا للقميص الأبيض ، ومحباً لناديه ولجماهيره التي منحته لقبًا لن يزول : ( أيقونة الحب ) حتى‌
خصومه احترموه ، لأنه لعب الكرة من أجل المتعة ، لا من أجل الأرقام الجافة.
سيظل احتفاله الشهير بالقوس والسهم رمزًا للانتصار، وللسهام التي أطلقها إلى قلوب العاشقين قبل أن يطلقها‌
نحو الشباك. سيظل رقم ‌10 في الزمالك مقرونًا باسمه ، كما سيظل اسمه مقرونًا بالعشق والانتماء.
اليوم يترجل الفارس عن ميدانه ، لكنه يترك وراءه إرثًا عظيمًا وذكرى لا تزول . ربما يغيب شيكابالا عن‌
الملاعب ، لكنه لن يغيب أبدًا عن القلوب .
وداعًا شيكابالا… وداعًا أيها الفتى الأسمر، الذي علّمنا أن الحب وفاء ، وأن القوس والسهم ليسا للاحتفال فقط،‌
بل لزرع السعادة في قلوب الملايين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.