عادل عبود يكتب | من طاولة التفاوض إلي ساحة المعركة

0

تتجه أنظار العالم إلى الشرق الأوسط، حيث يتصاعد التوتر بشكل غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، في واحدة من أكثر اللحظات حساسية على مستوى الأمن الإقليمي والدولي. عنوان المرحلة أصبح واضحًا: سكتت الدبلوماسية، وتكلمت الصواريخ.

الصراع بين إيران وإسرائيل ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سنوات طويلة من التوترات الإقليمية، وتبادل الاتهامات، وسباق النفوذ في عدد من الساحات، أبرزها سوريا ولبنان وغزة. ومع تطور البرنامج النووي الإيراني، وتكثيف إسرائيل لعملياتها الاستخباراتية والعسكرية داخل إيران ومحيطها، بات الصدام مسألة وقت.

التصعيد الحالي بدأ عقب ضربة إسرائيلية دقيقة استهدفت منشأة عسكرية حساسة قرب طهران، تبعها رد إيراني غير مسبوق شمل هجومًا صاروخيًا مباشرًا على مواقع عسكرية إسرائيلية. وعلى الرغم من أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تمكنت من اعتراض نسبة كبيرة من هذه الصواريخ، إلا أن الرسالة الإيرانية وصلت بوضوح: زمن الصمت انتهى.

ما يجعل هذا التصعيد مختلفًا عن سابقاته هو انتقاله من الحرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة بين دولتين. وقد ترافقت العمليات العسكرية مع حملات إعلامية شرسة، وتحركات دبلوماسية مضطربة في مجلس الأمن، ودعوات دولية للتهدئة دون نتائج ملموسة حتى الآن.

على الجانب الإيراني، يظهر النظام في طهران متحديًا، يسعى لتأكيد حضوره الإقليمي ورد اعتباره بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية السابقة داخل أراضيه. أما إسرائيل، فترى في هذه اللحظة فرصة لتعزيز موقفها الأمني داخليًا، وإرسال رسالة ردع إقليمية مدعومة بتأييد غربي واضح، خصوصًا من الولايات المتحدة.

في هذا السياق، تتعامل القاهرة مع هذا التصعيد بحذر بالغ، فهي دولة لها ثقل دبلوماسي وتاريخي في المنطقة، وشريكة رئيسية في جهود حفظ السلام، خصوصًا على صعيد القضية الفلسطينية. وحتى الآن، جاء الموقف المصري متزنًا ويقوم على ثلاث ركائز: الدعوة لوقف التصعيد الفوري، الاتصالات الدبلوماسية مع كافة الأطراف، والحفاظ على أمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بمصالح الملاحة في قناة السويس.

عبر وزارة الخارجية، أكدت مصر ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات ورفض منطق القوة العسكرية، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس، ومحذرة من انفجار إقليمي شامل ستكون له عواقب وخيمة. كما كثّفت القاهرة من اتصالاتها مع طهران وتل أبيب عبر قنوات غير مباشرة، إلى جانب التواصل مع واشنطن وبروكسل، بهدف احتواء التوتر وتفعيل المسارات السياسية.

ورغم الدعوات إلى التهدئة، لا يبدو أن الطرفين مستعدان للتراجع في المدى القريب. فإيران تتحدث عن “حق الرد المشروع”، بينما تصر إسرائيل على “حماية سيادتها بأي وسيلة”، ما يضع المنطقة على فوهة بركان سياسي وعسكري.

المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة، عاجز حتى الآن عن فرض مسار للتهدئة، في ظل انقسام القوى الكبرى، وتباين المواقف بين واشنطن وموسكو وبكين. وبينما تتعالى الأصوات الشعبية المنددة بالحرب في عدد من العواصم العربية والغربية، فإن حسابات المصالح الاستراتيجية لا تزال هي الحاكمة.

الصراع الإيراني الإسرائيلي ليس أزمة آنية، بل هو امتداد لصراع بنيوي يتجاوز الحدود السياسية إلى عقائدية وأمنية. ورغم ضراوة المشهد، فإن العودة إلى الحوار ستظل الخيار الأنجع، ولو بعد حين.

مصر، بحكم موقعها الجغرافي ودورها التاريخي، مطالبة بالاستمرار في دورها التوازني، لا كوسيط محايد فحسب، بل كصوت عاقل في محيط يعجّ بالصخب والسلاح. ففي الشرق الأوسط، حيث تضعف المؤسسات وتتعالى لغة القوة، يصبح التمسك بالدبلوماسية شجاعة لا ضعفًا. وفي الوقت الذي تتحدث فيه الصواريخ، يبقى الأمل معقودًا على أن تتكلم السياسة من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.