عادل محمد عادل‌‌ يكتب | أكتوبر الأمس واليوم

0

حين تدق الساعة السادسة من أكتوبر كل عام، لا تمر الذكرى مرور الكرام، بل تُفتح في قلوب المصريين نافذة على مجدٍ خالد‌‌ صنعته الإرادة والإيمان. ليست حرب أكتوبر مجرد معركة استرداد أرض، بل قصة استعادة كرامة وكتابة تاريخ جديد لشعب آمن‌‌ بأن المستحيل كلمة لا مكان لها في قاموسه. في هذا البحث سنحاول أن نعيد قراءة الحدث لا من زاوية المدافع والطائرات، بل من‌‌
زاوية الإنسان، العبرة، والانعكاس على حاضرنا المليء بالتحديات.
في صباح السادس من أكتوبر عام ‌‌١٩٧٣‌‌، كان شاب مصري بسيط اسمه “سامي” يقف على ضفة القناة يحمل بيده سلاحًا، لكنه يحمل في قلبه إيمانًا يزن وطنًا. لم يكن سامي يعرف الكثير عن الاستراتيجيات العسكرية، لكنه كان يعرف معنى “الكرامة”.‌‌
حين دوّت صافرات العبور، لم يكن يعبر قناة السويس فقط، بل كان يعبر الخوف، الهزيمة، والشك في النفس.
سامي رمزٌ لجيل آمن بأن النصر يُصنع بالإيمان لا بالسلاح وحده. ومع كل جندي قفز في الماء، كانت مصر كلها تعبر خلفه نحو‌‌ ضفة الأمل. كانت الدبابات الإسرائيلية الحديثة أمامهم، لكن خلفهم كان الوطن بكل ما فيه من أمهات تدعو، وأطفال تحلم، وشعب‌‌ ينتظر لحظة الكرامة.
انتهت الحرب بالنصر، لكن قصة أكتوبر لم تنتهِ، لأنها لم تكن مجرد معركة لاستعادة الأرض، بل درس في استعادة الذات.
العبرة‌‌ الكبرى من ‌‌٦‌‌ أكتوبر هي أن الوحدة والعزيمة يمكن أن تُسقط أكبر الجدران، وأن الانتصار الحقيقي يبدأ حين نؤمن بأننا نستحقه.
واليوم، بعد أكثر من خمسين عامًا، يقف الوطن أمام معارك جديدة، ليست عسكرية، بل فكرية واقتصادية وتكنولوجية. العدو لم‌‌
يعد على الضفة الأخرى من القناة، بل خلف الشاشات، في مواقع التواصل التي تحاول سرقة وعي الأجيال وتشويه انتمائهم.
إننا بحاجة اليوم إلى “عبور جديد”، عبور نحو وعي أقوى، وعمل أصدق، ووحدة أشد. فكما انتصر سامي وسلاحه البسيط، يمكن‌‌ لشباب اليوم أن ينتصروا بعقولهم، بأفكارهم، وبإصرارهم على أن تكون مصر في المقدمة.
إن السادس من أكتوبر لم يكن يوم نصر فقط، بل بداية قصة لم تُكتب فصولها بعد. لقد أثبتت تلك اللحظة أن الشعوب التي تعرف‌‌ من هي، لا تُهزم مهما طال الطريق. فهل يمكننا أن نصنع “أكتوبر جديدًا”؟ ليس بالسلاح هذه المرة، بل بالعلم، بالإنتاج،‌‌ وبالإصرار على عبور الجهل والتقسيم والتشتت.
كما قال الزعيم جمال عبد الناصر: “ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”، واليوم نقول: “وما فُقد بالوعي لا يُستعاد إلا بالوعي”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.