عادل محمد عادل يكتب | الدبلوماسية المصرية والأزمات الإقليمية
المقدمة:
في عالم يموج بالصراعات والتحولات، تبرز الدبلوماسية المصرية كأحد أكثر أدوات الدولة اتزانًا وعمقًا في
إدارة الأزمات الإقليمية. فبينما تتسابق بعض القوى نحو الصدام أو التدخل المباشر، اختارت مصر طريق
“العقلانية السياسية” التي تمزج بين الحذر والفاعلية. لم تعد الدبلوماسية اليوم مجرد لقاءات شكلية أو
بيانات دبلوماسية باردة، بل أضحت سلاحًا استراتيجيًا يحمي المصالح ويصنع التوازن في منطقة مشتعلة.
هذه الورقة تحاول قراءة ملامح الدور المصري في عدد من القضايا الإقليمية المعاصرة، كأزمة غزة، وسد
النهضة، والسودان، لتُبرز كيف تحافظ القاهرة على مكانتها رغم اضطراب المشهد الدولي.
المتن:
تعتمد الدبلوماسية المصرية على مبدأ “الاستقرار الإقليمي من أجل الأمن القومي”، إذ ترى أن أي فوضى في
جوارها الجغرافي تُترجم سريعًا إلى تهديد مباشر داخل حدودها. ومن هنا، تحركت مصر في أكثر من ملف
بمرونة محسوبة.
في القضية الفلسطينية، لعبت القاهرة دور الوسيط المركزي بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي،
ليس فقط لإيقاف إطلاق النار، بل للحفاظ على توازن دقيق بين دعم الحقوق الفلسطينية ومنع الانفجار
الإقليمي. تمتلك مصر في هذا الملف رصيدًا تاريخيًا من الثقة يجعلها الطرف الأكثر قبولًا لدى الجميع، رغم
تعقّد المشهد وتناقض المصالح الدولية.
أما في أزمة سد النهضة، فقد اتبعت مصر دبلوماسية النفس الطويل، مُصرّة على الحل عبر المفاوضات رغم
ضغوط الشارع وتعنت إثيوبيا. هذا النهج لم يكن ضعفًا كما يروّج البعض، بل قراءة عميقة لمعادلة القوة في
إفريقيا، فالقاهرة تدرك أن الصراع في حوض النيل لا يُحسم بالسلاح، بل بإدارة ذكية للوقت والتحالفات.
وفي الأزمة السودانية، حرصت مصر على أن تكون صوت العقل، داعيةً للحوار دون الانحياز لطرف ضد آخر.
هذا الموقف المتوازن منحها قدرة على التحرك في مساحات ضيقة بين القوى الإقليمية المتنافسة، من
الخليج إلى إثيوبيا.
تُظهر هذه المواقف أن السياسة الخارجية المصرية لم تفقد بوصلتها رغم تغير الأنظمة أو الأزمات، بل ظلت
تتعامل وفق منطق “الدولة لا النظام”. وهذا الثبات هو ما جعلها مرجعًا إقليميًا في أوقات الانقسام.
الخاتمة:
يمكن القول إن الدبلوماسية المصرية لم تعد تُقاس بعدد الاتفاقيات أو المؤتمرات، بل بقدرتها على منع
الانفجار في منطقة تغلي بالتوترات. في زمن تتصارع فيه الأصوات العالية، اختارت القاهرة أن تتحدث
بهدوء، لكنها تُسمَع جيدًا. هذا الهدوء ليس ضعفًا، بل حكمة تليق بدولة تعرف أن نفوذها الحقيقي لا
يُقاس بالقوة العسكرية فقط، بل بقدرتها على أن تكون “صمام أمان” في محيط مضطرب. وهكذا تظل
الدبلوماسية المصرية نموذجًا فريدًا للاتزان السياسي في زمن اللايقين — لا تصنع المعجزات، لكنها تمنع
الكوارث، وهذا في السياسة إنجاز في حد ذاته.