عادل محمد عادل يكتب | سياسة المراحل في إدارة الصراع

0

تشهد الساحة الفلسطينية واحدة من أكثر المراحل تعقيداً في مسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في ظلّ ما يبدو أنه‌
تحول في النهج الإسرائيلي من المواجهة الشاملة إلى إدارة الصراع بأسلوب مرحلي ومدروس. يتضح أن إسرائيل لم تعد تسعى إلى‌
حسم عسكري كامل بقدر ما تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية وأمنية تدريجية، وهو ما يظهر بوضوح في تعاملها مع ملف تبادل‌
الأسرى والحرب الدائرة في قطاع غزة.

يمكن القول إن سياسة المراحل تمثل جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية. فهي تقوم على تقسيم الملفات الكبرى – مثل التهدئة،‌
التبادل، أو مستقبل غزة – إلى مراحل متتابعة تتيح لإسرائيل هامشاً واسعاً من المناورة، وتمنح قادتها القدرة على التراجع أو تعديل‌
المواقف دون خسائر سياسية كبيرة. هذه السياسة تمنح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تحديداً مرونة في التنصل من الالتزامات‌
والانتقال إلى مراحل جديدة تحقق له مكاسب داخلية، سواء أمام جمهوره اليميني أو أمام شركائه في الائتلاف الحاكم.

وقد أشار الباحث نزار نزال إلى أن إسرائيل في هذه المرحلة تحاول الحفاظ على هدوء نسبي ومحدود من أجل تمرير صفقة تبادل‌
الأسرى، لكنها في الوقت نفسه تواصل عملياتها العسكرية في شمال قطاع غزة للضغط على حركة حماس. ويعني ذلك أن الهدوء‌
بالنسبة لإسرائيل ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق غايات سياسية وأمنية محددة.

كما يلفت نزال إلى أن إسرائيل ترفض إدراج بعض القادة الفلسطينيين البارزين ضمن صفقة التبادل، مثل مروان البرغوثي وأحمد‌
سعدات وعبد الله البرغوثي، لما يشكله الإفراج عنهم من خطر سياسي على الحكومة الإسرائيلية. هذه النقطة تحديداً تكشف كيف‌
تستخدم إسرائيل مفاوضات إنسانية في ظاهرها، كأداة سياسية في باطنها، لتوجيه المشهد الفلسطيني الداخلي وفق مصالحها.

من منظور أوسع، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى إعادة تشكيل الصراع بعد أي صفقة محتملة، وفق نموذج يشبه ما حدث في لبنان بعد‌
حرب ‌2006‌، أي الاعتماد على استهدافات استخباراتية دقيقة وتقليل الانخراط البري المباشر. هذا النموذج يسمح بتقليل الخسائر‌
الإسرائيلية ويُبقي الصراع مستمراً في مستوى يمكن التحكم به دون الوصول إلى تسوية نهائية.

أما التحدي الأكبر فسيكون في مرحلة ما بعد التبادل، حيث ستبرز ملفات أكثر حساسية، مثل نزع سلاح حماس ومن سيحكم قطاع‌
غزة. فإسرائيل، وفق تحليل نزال، قد تدفع باتجاه فرض ترتيبات دولية أو شخصيات خارجية مثيرة للجدل لإدارة القطاع، وهي فكرة‌
يرفضها معظم الفلسطينيين لما تمثله من مساس بالقرار الوطني المستقل.

خلاصة القول‌ إن السياسة الإسرائيلية القائمة على المراحل ليست مجرد استراتيجية تفاوضية مؤقتة، بل منهج دائم يهدف إلى إدارة‌
الصراع بدلاً من حله. فهي تتيح لإسرائيل كسب الوقت، وتمنحها القدرة على التحكم في مسار الأحداث بما يخدم رؤيتها الأمنية‌
والسياسية، بينما يواجه الفلسطينيون تحديات متزايدة تتعلق بالوحدة الداخلية، وتثبيت الموقف التفاوضي، والحفاظ على الثوابت‌
الوطنية في ظل واقع إقليمي ودولي متغير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.