عامر هشام الصفّار يكتب | صحتنا وتغيرات المناخ
يأتي تقرير مجلة اللانسيت الطبية العالمية الصادر اليوم 29 تشرين أول 2021 حول الصحة وتغيرات المناخ متزامنا مع الأجتماع العالمي للقادة السياسيين في مؤتمر البيئة السادس والعشرين لأتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP26) وذلك في مدينة غلاسكو في أسكتلندا، في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر.
أن العالم اليوم ينظر لهذا المؤتمرعلى أنه الفرصة الأخيرة والأفضل لإعادة ضبط المسار لأنبعاثات الكربون العالمية الصافية بحلول عام 2050. فقد أصبح الأهتمام العام بتغير المناخ أعلى من أي وقت مضى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نشاط الشباب العالمي ومشاركاتهم.
أن الأهداف الأربعة لمؤتمر البيئة والمناخ 26 هي:
أولاً: تأمين صافي الكربون العالمي بنسبة الصفر بحلول عام 2050 والحفاظ على حد 1.5 درجة مئوية للأحترار الأرضي.
ثانياً: التكيف لحماية المجتمعات والموائل الطبيعية.
ثالثا: حشد التمويل.
وأخيرًا، العمل معًا لتقديم القواعد واللوائح الخاصة بأتفاقية باريس للبيئة، مع تسريع العمل من خلال التعاون بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني. لكن هذه الأهداف في خطر، فقيادة المملكة المتحدة ضعيفة، وتأثيرها تآكل بسبب التخفيضات المتكررة للمساعدات الخارجية.
وعليه فلابد من القول أن البشرية تدخل في موقف محفوف بالمخاطر، فتغير المناخ له بالفعل آثار مدمرة على الصحة كما تشير الى ذلك جميع البحوث العلمية.
أن عالم اليوم ليس على المسار الصحيح للوفاء بحد 1.5 درجة مئوية للأحترار الأرضي. ومن المعروف أن أنبعاثات غازات الأحتباس الحراري العالمية قد أنخفضت بنسبة 6· 4٪ في عام 2020 ، لكنها أنتعشت منذ ذلك الحين، والمساهمات المحددة وطنياً على مستوى الدولة أقل بكثير من الأهداف التي يجب التوصل أليها، هذا مع وجود أستثناءات قليلة.
أن أستراليا والبرازيل والصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أكبر أنبعاثات غازات الأحتباس الحراري. ولا يزال كل منها مدينًا لشركات الوقود الأحفوري من خلال الإعانات الحكومية والأستهلاك الزائد. وفي حالة أستراليا، فأن هناك زيادة في صادرات الفحم بأستمرار، في حين ترتبط أنبعاثات البرازيل بفقدان غابات الأمازون المطيرة من خلال التطهير لأغراض الزراعة، مما يتسبب أيضًا في فقدان التنوع البيولوجي بحجم عالمي وتدمير مجتمعات السكان الأصليين.
أن وضع الأهداف والتحدث عنها يبقى عديم الجدوى في حد ذاته ؛ دون أن تكون هناك إجراءات عملية مطلوبة.
كما يجب عدم إهمال المجالات الرئيسية ذات الصلة، ولا سيما النظم الغذائية. يمثل قطاع الأغذية حوالي 30 ٪ من أنبعاثات غازات الأحتباس الحراري العالمية ، وتتشابك النظم الغذائية بشكل لا ينفصم مع تغير المناخ على كل مستوى من مستويات الإنتاج والاستهلاك، بما في ذلك الثروة الحيوانية والزراعة، واستخدام الأراضي، والفوائد الصحية المشتركة للأنظمة الغذائية الأفضل. ففي هذا العام، تم توثيق أول مجاعة مناخية في مدغشقر، حيث يعيش أكثر من 14 مليون شخص في حالة مجاعة. وفي سبتمبر 2021، حددت قمة النظم الغذائية للجمعية العامة للأمم المتحدة زيادة الوعي بالنظم الغذائية، وتحويل هذه النظم الغذائية كأهداف رئيسية لصحة الناس وكوكب الأرض. كما هو الحال مع أهداف COP26، تعد الصحة مركزية لهذه الطموحات، ومع ذلك يبدو أن ضخامة التغييرات الضرورية تستمر في شل العمل، والذي أصبح الآن غير قابل للتفاوض.
يفتقر كل من قمة النظم الغذائية ومؤتمر كلاسكو المقبل للبيئة 26 إلى المساءلة المستقلة الصارمة، وهي ضرورية خاصة إذا كان يتعين معالجة عدم المساواة. ومن الجدير بالذكر فأن توفير المساءلة عن المناخ والصحة يتم من خلال شبكة من مبادرات المجتمع المدني.
أن مؤشرات هذا العام تعطينا نظرة قاتمة: فهناك التفاوتات العالمية التي هي آخذة في الأزدياد، وأتجاه السفر يفاقم جميع النتائج الصحية، كما أن الخدمات الصحية في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل بحاجة ماسة إلى التعزيز بشكل خاص.
ومع ذلك، فإن المستقبل ليس بالضرورة ميؤوسًا منه. في مارس 2021 ، كتب العالم ديجروت وزملاؤه في مجلة الطبيعة أو النيتشر عن خمسة مسارات متداخلة متعددة التخصصات كانت تشترك فيها المجتمعات والسكان الذين كانوا يتمتعون بالمرونة تجاه الأحداث المناخية الماضية. هذه المسارات هي: أستغلال الفرص الجديدة ، وتطوير أنظمة طاقة مرنة، واستخدام التجارة والموارد وصياغة التعديلات السياسية والمؤسسية، والهجرة والتحول.
يقدم عمل ديجروت وزملائه وسيلة جديدة وصارمة ومتعددة التخصصات لفهم تغير المناخ في سياق التاريخ البشري التي لا تركز فقط على الكارثة المنعزلة والأنهيار. هذا النهج – التعلم من أمثلة المجتمعات التي نجت، بل وأزدهرت، أثناء الكوارث المناخية – من المحتمل أن يكون ثوريًا طموحا للتغيير. وتبقى الرسالة الأهم هي أن العالم يحتاج إلى عصر جديد من الأبحاث تكون أقل تركيزًا على التنبؤات الخاصة بتغير المناخ، وأكثر تركيزًا على التنبؤات بالعواقب المجتمعية للأحترار في المستقبل وكيفية التغلب عليها. إن الخضوع لحالة الطوارئ المناخية ليس أمرًا حتميًا.
(تمت ترجمة هذه المقالة نقلا عن الأصل المنشور اليوم 29 تشرين أول 2021 في مجلة اللانسيت الطبية العالمية).