عبدالله عيسى الشريف يكتب | ما الذي يجرى في السودان؟ (2- 3)

0

تأسيسًا على خطورة انتشار السلاح خارج نطاق السيطرة الكاملة للدولة وما يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على الاستقرار السياسى؛ بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على الواقع السودانى ومآلاته، نظرًا لتأسيسه وجودا عسكريًّا وأمنيًّا منفصلًا عن الدولة وآلية صنع واتخاذ القرار فيها، خاصةً أن محاولات وآليات تفكيك الجيوش الوطنية بأدوات داخلية أو خارجية أو بمزيج منهما بات معروفًا ومشهودًا بمنطقة الشرق الأوسط، سواء في لبنان أو العراق أو سوريا وليبيا واليمن، وبما يُخدم على مصالح القوى الدولية وحلفائها الإقليميين لتعميق الانقسامات بالدولة الوطنية، للسيطرة عليها وعلى مصائرها خدمةً للخطط الاستراتيجية.
وهو ما دفع رئيس المجلس السيادي الانتقالي للتأكيد على أنه لن يسمح لقوات “الدعم السريع”، التي يقودها “حميدتي”، بأن تعمل بشكل منفصل عن القوات المسلحة السودانية، وأنه لا بد من دمجها في صفوف الجيش السودانى، خاصةً أنه في عام 2017، تم إقرار قانون يمنح قوات الدعم السريع صفة قوة أمن مستقلة، وقالت مصادر عسكرية سودانية آنذاك إن قيادة الجيش طالما عبرت عن قلقها إزاء نمو قوات “حميدتي” ورفضت دمجها في صفوفها.
وبالنظر إلى قدرات قوات “الدعم السريع” التي انبثقت مما سُمى سابقًا “ميليشيات الجنجويد المسلحة” التي استخدمها نظام الرئيس السابق “البشير” لإخماد التمرد في “دارفور”، تُشير التقديرات إلى أن قوامها يصل إلى حوالى (100) ألف فرد، وتُتهم الميليشيا بالمشاركة في تشريد حوالي (2.5) مليون شخص ومقتل حوالي (300) ألف شخص، بالإضافة إلى اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان.
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن المشهد السودانى يظل ضبابيًا وغير مأمون العواقب؛ فالأمر لا يقتصر فقط على قيام قوات “الدعم السريع” بالسيطرة على المرافق العسكرية الاستراتيجية بما فيها المطارات العسكرية، ومقار الحكم والإذاعة والتليفزيون والمطارات المدنية وإغلاق الطرق المؤدية إلى العاصمة “الخرطوم” والمدن الكبرى، وما ارتبط بذلك من تبادل الاتهامات حول من أطلق الرصاصة الأُولى، ولا حول المدة التي يجب أن تستغرقها عملية دمج قوات “الدعم السريع” في الجيش السوداني بين عامين كما يراها الفريق “البرهان” أو عشرة أعوام كما يريدها الفريق “حميدتي”، ولكن تزداد حدة الموقف مع ترسخ الخلافات العميقة بين “البرهان، وحميدتي” فيما يتعلق بعملية “الدمج” نفسها وليس المدة المُقررة لذلك، بكل ما يرتبط بذلك من الاتفاق على الهيكل العام للقوات المسلحة من حيث قيادة القوات المسلحة ومتطلبات الانضباط وتوافر الولاء داخل الهيكل العام للجيش السودانى، كشرط لازم لوحدة المكون العسكرى وخضوعه للقانون والدستور في النظام السياسي السودانى.
بالإضافة لما سبق، فإن وجود قوات “الدعم السريع” ككيان منفصل عن القوات المسلحة السودانية يؤدى إلى حالة من اللااستقرار السياسي، والتي تتمثل في عرقلة دور الدولة الوطنية، وتهديد حالة الاستقرار الداخلى، وتعزيز النفوذ الإقليمي لبعض الأطراف الخارجية على الداخل السودانى وبما يؤدى إلى تآكل مفهوم السيادة، فضلًا عن التأثير على النظام السياسى القائم وصولًا إلى محاولة تغيير القواعد الحاكمة للنظام السياسى، وأنه أيًّا ما كانت طبيعة العلاقة بين القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع”، فلا يمكن تغيير طابع التحدى الذي تشكله هذه التنظيمات غير النظامية للأمن القومى للدولة الوطنية بالسودان الشقيق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.