عبدلله مجدي يكتب | المستقبل المجهول لسوريا

0

شهدت سوريا خلال الأيام الأخيرة تحولا جذريا في مسار الأحداث السياسية والعسكرية، تمثّل في انهيار نظام بشار الأسد بعد أكثر من عقد من الصراع، الذي عصف بالبلاد. جاءت هذه التطورات، نتيجة تصاعد الضغط العسكري والسياسي من قِبل المعارضة المسلحة، التي نجحت في السيطرة على مناطق استراتيجية، بما في ذلك العاصمة دمشق ومدينة حمص.
فالانهيار السريع للنظام، كان مدفوعا بعوامل متشابكة، أبرزها التراجع الكبير في القدرات العسكرية للنظام نتيجة العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي، إضافة إلى الانقسامات الداخلية في صفوفه. كذلك، أسهمت الانتصارات الميدانية، التي حققتها المعارضة المسلحة في تعزيز نفوذها، ما جعل النظام غير قادر على استعادة توازنه العسكري والسياسي.
وفي سياق متصل، قامت إسرائيل بشن غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع استراتيجية داخل سوريا، بما في ذلك مصانع تصنيع الصواريخ ومخازن الأسلحة الكيميائية. وذكرت الحكومة الإسرائيلية، أن هذه الهجمات، تهدف إلى منع وقوع هذه الأسلحة في أيدي الجماعات المسلحة، خاصة مع انهيار سلطة الدولة المركزية. وقد ركزت الغارات على مواقع في حمص ومطار تى 4 العسكرى يوم 10 ديسمبر 2024، ما أدى إلى تدمير شبكة الدفاع الجوي السورية بشكل شبه كامل.
من جهة أخرى، شهدت المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، إعلان حالة الطوارئ، وفرض حظر تجول ليلي بدءًا من 11 ديسمبر 2024. جاء هذا القرار في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني الناتجة عن الفراغ السياسي بعد سقوط النظام، حيث تسعى جميع الأطراف لفرض سيطرتها على الأرض وإعادة ترتيب المشهد السياسي.
يعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، نقطة تحول رئيسية في تاريخ سوريا الحديث، حيث يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل البلاد. هل ستتمكن المعارضة من بناء نظام سياسي مستقر وشامل؟ وكيف سيكون دور القوى الإقليمية والدولية في صياغة هذا المستقبل؟ تبرز أيضًا مخاوف من انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى، خاصة مع وجود جماعات متطرفة، قد تسعى لاستغلال هذا الفراغ.
على الصعيد الإقليمي، لعبت الدول المجاورة دورًا محوريًا في التعاطي مع الأحداث. تركيا، على سبيل المثال، أبدت استعدادها لدعم المعارضة سياسيًا وعسكريًا مع تعزيز قواتها على الحدود. في المقابل، تأثرت دول مثل لبنان والأردن بموجة جديدة من النزوح والضغوط الأمنية.
على الصعيد الدولي، أثار سقوط النظام ردود فعل متباينة. فبينما دعمت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، تحرك المعارضة وأعرب كل منهما عن استعدادهما للمساعدة في إعادة الإعمار، أبدت روسيا وإيران قلقهما العميق من فقدان حليف استراتيجي. وتواصلت المشاورات بين الأطراف الدولية بشأن دورها في إعادة تشكيل مستقبل سوريا.
أما على صعيد المعارضة، فإن نجاحها العسكري، يواجه تحديًا في توحيد صفوفها سياسيًا. تتنوع التوجهات الأيديولوجية والعرقية بين الفصائل المعارضة، ما يضع ضغوطًا على قدرتها على تقديم رؤية موحدة وشاملة لإدارة البلاد.
تعتبر إعادة الإعمار، واحدة من أكبر التحديات التي تواجه سوريا بعد الحرب. تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة الإعمار، قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات، ويتطلب ذلك التزامًا دوليًا ودعمًا من المؤسسات المالية الكبرى، لتوفير الموارد اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
من جهة أخرى، تظل المعاناة الإنسانية في قلب المشهد، حيث يواجه ملايين السوريين أوضاعًا صعبة مع استمرار النزوح، وانهيار البنية التحتية الأساسية. تضاعفت أعداد اللاجئين في الدول المجاورة، ما زاد الضغط على هذه الدول، لتقديم الدعم الإنساني.
إضافة إلى ذلك، تواجه سوريا تحديات أمنية كبيرة مع احتمال بروز الجماعات المتطرفة، وعودة النشاط الإجرامي في ظل غياب الاستقرار السياسي. تسعى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى دعم جهود بناء السلام وتوفير الحماية للمدنيين.
في المحصلة، يمثل سقوط نظام بشار الأسد، نهاية فصل طويل من الصراع، لكنه يفتح الباب أمام تحديات جديدة تتطلب حلولًا مدروسة ومتكاملة، لضمان انتقال سلمي ومستدام نحو مستقبل أفضل لسوريا، مع الاستفادة من الدروس المستفادة من هذا الصراع في إدارة المرحلة الانتقالية، وتحقيق الاستقرار طويل الأمد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.