عبد الحسين شعبان يكتب | مفارقات السياسي والأكاديمي

0

حين تفترق مواقف السياسي عن الأكاديمي تكون الخسارة للحقيقة كبيرة جدًا، خصوصًا إذا ما تعلّق الأمر بالجوانب الإنسانية والحقوقية، وهكذا للتاريخ مفارقاته، بل ومكره ومراوغته على حد تعبير هيغل. وإذا كان فهم التاريخ هو قراءة الوعي بضدّه، حسبما يقول المفكر الماركسي الفرنسي لوي ألتوسير، فإن التناقض يبدو صارخًا أحيانًا بين السياسي الذي يقوم بالتبشير والدعاية لإيديولوجيته وأفكاره، وبين الأكاديمي الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة بغضّ النظر مع من وضد من، وفي ذلك تعارض كبير. أستعرض هنا مفارقة لها دلالات مهمة لعلاقة السياسي بالأكاديمي: في الحرب (العراقية – الإيرانية) التي ابتدأت عام 1980، لم يكن حجم القسوة ومئات الآلاف من الضحايا، سوى أرقام لدى السياسيين وكأن المسألة، حفلة صيد، وليست أرواح بشر، وظلّت اللغة الخشبية مهيمنة على الخطاب السياسي للقوى والأحزاب والجماعات، سواء كانت حاكمة أو معارضة ومهاجرة، لدرجة أن الشعار السياسي كان يتقدّم على الواقع، مقابل تراجع الخطاب الأكاديمي الذي جرت محاولات لتوظيفه لصالح السياسي. البشر الذين كانوا يحترقون بنار الحرب والقصف اليومي والرعب المستمر، لم يكن يجدوا لهم مكانًا في خطاب يُسقط فيه السياسي رغباته على الواقع، بعيدًا في أحيان كثيرة عن آلام الناس وعذاباتهم.

مفارقة أخرى هي الموقف من الحكم من جانب المعارضة في السابق والحاضر، فالبعض ممن يعارضون حكومة ما، لا يتورّعون للقيام بكل ما يضعف البلد، وتراهم يذهبون إلى أبعد من ذلك حين ينظرون إلى الضحايا بدم بارد، سواء أيام الحصار الدولي على العراق الذي استمر نحو 13 عامًا أو بعد الاحتلال، فبعضهم لا تهزّه مشاهد التفجيرات وأعمال القتل والعنف والإرهاب، طالما هي تضعف الحكم، العدو أو الخصم الأساسي للمشروع السياسي الذي يمثّله.
كم كان مُحزنًا حين طالب نائب بريطاني (ليس الوحيد بالطبع) رئيس الوزراء حينها توني بلير (العمّالي) بضرورة رفع الحصار اللاّإنساني بحق العراق، فكان أن أجابه بلير: هم الذين يدعونني (المقصود بعض المعارضين ورسائل وقّع عليها بعض المثقفين) إلى مواصلة فرض الحصار، بل يقولون لي: اقصفوا.. اقصفوا!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.