عبد السلام الزغيبي يكتب | عيشة الكلاب عندنا وعندهم

0

من أقدم الكلاب واشهرها كلب أهل الكهف والذي أقام مع أصحابه مئات السنين قبل أن تعود اليهم الحياة.ويذكر هوميروس الشاعرٌ الملحمي الإغريقي الاسطوري، ان كلب أوديسيوس،ملك إيثاكا
الأسطوري ( أوليس)، أول من تعرف عليه بعد عشرين سنة من غيابه، ولعق قدميه فلفت نظر زوجته بينولوبي الى حقيقة أمره. أما أشهر الكلاب في عصرنا،الكلبة الروسية”لايكا” التي دارت
حول الأرض في القمر الصناعي،فتجاوزت شهرتها كوكبنا الى الكواكب الاخرى.
ومن كلاب اليونان المعروفة في العصر الحالي، الكلب الذي كان يسمى (لوكانيكو) أو السجق، وهو الكلب الذي سجل حضورا دائما في مسيرات الاحتجاج وشارك حتى في الاشتباكات التي تقع بين
المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب اليونانية، ودائما ما يكون في مقدمة المسيرات ويلاحق رجال الأمن المدججين بالأسلحة والدروع، بالنباح مشهرا أنيابه الحادة.
ولا نستطيع أن ننسى قصة الكلب هاتشيكو، الذى انتظر صاحبة البروفيسور الياباني “هيده-سابورو أوينو” عشرة أعوام كاملة في محطة القطار. حيث أعتاد مرافقة مالكه إلى محطة القطار عند
ذهابه إلى العمل، وحين كان البروفيسور يعود من عمله كان يجد هاتشيكو في انتظاره عند باب المحطة. وبمرور الأيام أصبح وقوف الكلب انتظارا لصاحبه منظرا يوميا معتادا لمسافري محطة
شيبويا وزوارها الدائمين.دون أن يعلم أن البروفيسور توفي على أثر أصابته بجلطة دماغية أثناء العمل في ذلك اليوم الكئيب من عام 1925.
والكلاب معروفة بوفائها،وجد فيها الانسان، الثقة والإخلاص الذي افتقده في أبناء جنسه من البشر. والف الراوي، أبو بكر بن المرزبان المتوفى عام 309 هجريًا، كتابا بعنوان”
فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب”. يذكر الكتاب ما قيل في الكلب من آيات قرآنية وأحاديث وأقوال الشعراء والحكماء والرواة. ويعكس أيضًا موقفًا من قليلي الوفاء من البشر، مقدرًا قيمة
الوفاء عند الكلب الذي يُرافق الناس ليكون حارسهم ورفيقهم.
وحفظ العرب أسماء الكلاب، كما حفظوا أنساب الخيل، ولَقَبٍ الشاعر عبدالله بن مُصعب الزبيريّ “عائد الكلب”،أي زائر الكلب إذا مرض، لقوله هذين البيتين :

مالي مَرِضْتُ فلمْ يَعُدْني عائدٌ
منكمْ و يمرَضُ كلْبُكُمْ فأعودُ
و أشَدُّ من مَرضي عليَّ صدودُكم
و صُدودُ كلبِكُمُ عَليّ شديدُ

حظت الكلاب بمكانة كبيرة عند الحضارات القديمة، لاسيما فى الحضارة الفرعونية منذ آلاف السنين،وكانت جزءا لا يتجزأ من حياة المصريين اليومية، سواء من خلال تربيتهم في البيوت، أو
مصاحبتهم في رحلات الصيد والقنص وحراسة الممتلكات، بل وحتى مرافقتهم في المعارك الحربية، وفي الممات أيضا حيث خصصت لهم مقابر بجوار مقابر أصحابها.
وعرف العالم وخاصة أوروبا تربية الحيوانات الاليفة، والكلاب خاصة، واصبحت جزء لا يتجزأ من طبيعة المجتمع الأوربي عامة واليوناني خاصة . فهي تحتل المركز الأول في أحاديثهم، واهتماماتهم
و يخصصون لها أوقاتا طويلة و يهتمون بنظافتها وأكلها الخاص..
وارتبطت عادة اقتناء الكلاب في العالم وفي أوروبا في البداية بطبيعة البلاد. عادة يحتاج الصياد إلى كلب يرافقه في الغابات، من أجل التقاط الفريسة. ويتطلب تدريب الكلب، في سبيل ذلك، عملاً دؤوباً. وبالإضافة إلى الصيد، تستخدم الكلاب في حراسة الماشية. في الاونة الاخيرة، تحولت مهمة الكلب الأساسية في الصيد والحراسة، إلى مؤنس للعجائز،و لتسلية للأطفال، والكبار.
وتخطت العلاقة بين الأوروبيين وحيواناتهم الأليفة،حدود المألوف، لتصبح علاقة وجودية. فهم لا يعيشون من دونها أبداً، بل أنّ البعض يعتبرها بمثابة أطفاله، وأصدقائه،ووصل الأمر بسيدة ثرية ان تركت ثروتها المقدرة باثني عشر مليون دولار لكلبها المدلل “ترابل” بعد أن حرمت حفيديها من الميراث.
كما انتشرت في الدول المتقدمة، دور لرعاية القطط والكلاب والحيوانات الأليفة، تتوفر فيها، مآو جيدة للحيوانات التي مات أصحابها، أو تلك الضالة. وتسمح دور الرعاية لكلّ من يجد حيواناً ضالاً بجلبه اليها. وتدخل بيانات هوية لكلّ منها توضح فيه اسم الحيوان وكل بياناته. ولا يجوز لأي شخص أن يقتني كلبا دون ترخيص، ودون أن يكون في رقبته طوق معلق عليه لوحة تعريف معدنية. ويحدد
النظام كيفية الحصول على رخصة اقتناء كلب،وكذلك جواز سفر، كما يحدد العقوبات المترتبة على مخالفة بنود هذا النظام.
ويتصدر الكلب في بلاد الغرب المشهد ككائن جذاب، ونبيل يستحق رعاية شاملة محصنة بالقوانين، في اليونان مثلا ، أقر البرلمان اليوناني بالإجماع، قانوناً ينص على تحويل حالات سوء معاملة الحيوانات من تصنيف الجنحة إلى جريمة ” تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات” وكذلك فرض غرامة “تراوح بين 5 آلاف يورو و15 ألفاً” على الأشخاص الضالعين في هذه الحالات.
الوضع مختلف عندنا في معاملة الكلاب وتربيتها ، إذ يعتبر نعت شخص بأنه كلب شتيمة عندنا ، ويقال ان ” فلان عايش عيشة الكلاب”، وهو مثل يُضرب فى الخزى والذل وأحياناً لمن يعانى الفقر
والضنك فراشه الأرض ولحافهم السماء. وأتذكر أنه في سنوات الثمانينيات، عندما نعت زعيم عربي راحل، معارضيه، بانهم كلاب ضالة أو سايبة، وتغافل عن المثل العربي الشائع” كلب سايب ولا
سبع مربوط”، وذلك لأن الأسد المربوط مأسور لا يستطيع الصيال بخلاف الكلب المطلق. والمراد لأن أكون كلباً مطلقاً خير لي من أن أكون أسداً مأسوراً.
واختلف الفقهاء في نجاسة الكلب فرأى الشافعية والحنابلة أن أي جزء في الكلب نجس، بينما ذكر المذهب الحنفي أن الكلب طاهر ما عدا لعابه وبوله وعرقه وسائر رطوباته، فهذه الأشياء نجسة،
وأما نجاسة الكلب عند المالكية فالكلب عند المالكية كله طاهر، هو وسائر رطوبته -عرقه- ولا ينجس أحدًا.
ورغم ان الدين الاسلامي يطالب المسلمين بمعاملة الحيوان بالشفقة والعطف وليس التعدي عليه،الا ان الكثير من أبناء مجتمعنا للاسف يقوم برﻛﻞ اﻟﻜﻼب،ويعاملها بالقسوة والعنف، متناسين
قول الرسول: لنا في كل كبد رطبة أجر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.