عبد الغني الحايس يكتب | مائة عام على دستور 1923

0

دستور 1923 سيمر علية مائة عام والصادر 19 ابريل 1923، والحديث عن دستور 1923 لا يكتمل الا بالحديث عن ثورة 1919، التى وحدت الشعب المصرى كله، تحت رايته الهلال والصليب، و أظهرت عراقة السمات المصرية وأصالتها، ورسوخ هويته الضاربة مع حضارته عبر ألالاف السنين، ودور الحركة الوطنية مع تضافر الشعب الذى لم تفتر عزائمه على مر التاريخ، وناضلهم ومقاومتهم كل محتل معتدى على الوطن، وتجلى هذا النضال ضد الإحتلال البريطانى، وانتزعوا حريتهم بدمائهم وضحوا بأرواحهم في سبيل استقلال الوطن.
كُلل هذا النضال بأن خلعت مصر عبائة التبعية عن السلطنة العثمانية، وإصدار تصريح 28 فبراير 1922، و بموجبه أصبحت مصر دولة مستقلة ذات سيادة، بهد ان ألغيت الحماية البريطانية، وتحولت من السلطنة المصرية الى المملكة المصرية، وتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور في عهد وزارة عبدالخالق ثروت وبأمر ملكي من الملك فؤاد.
صدر الأمر الملكى رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستورى للدولة المصرية، فتم تشكيل لجنة من ثلاثين عضوا (لجنة الثلاثين) لوضع دستور جديد للبلاد، ليحل محل القانون النظامى نمرة 29 لسنة 1913، وضمت اللجنة عدد من ممثلين عن الأحزاب السياسية، و زعماء الحركة الوطنية، والشعبية،وعلى رأس اللجنة التأسيسية حسين باشا رشدى، وضمت ايضا اللجنة شيخ الأزهر الشريف محمد بخيت، وعدد ستة من الأقباط من بينهم بابا كنيسة الإسكندرية قداسة البابا يؤانس، ويهودى واحد هو الإقتصادى الكبير يوسف أصلان أقطاى باشا أهم شخصية يهودية بمصر.
صدر الدستور يوم 19 ابريل عام 1923، ونشر في جريدة الوقائع المصرية في 20 ابريل 1923، بعد ان اجتمعت اللجنة 55 اجتماع طوال ستة أشهر ونصف هى عمر دراسة وصياغة ذلك الدستور، وقدم ثروت باشا الدستور كما صاغته اللجنة وسط اعتراض الملك الذي صدر رغما عنه لأنه يرى ان الدستور يغل من صلاحياته، وكان يرى ان الأمة المصرية لم تصل لدرجة الرقى والعلم والثقافة ان تكون مصدر السلطات، وينص دستور1923 على ان الحكومة المصرية ملكية وراثية وشكلها نيابى، وعدد موادة 170 مادة.
ويعتبر الوفد أكبر أحزاب تلك المرحلة وأكثرها ارتباطا بثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، ولكن من الغرائب هو انسحاب حزب الوفد من اللجنة المشكلة للدستور اعتراضا على أن اللجنة حكومية وليست منتخبة، وعلى وضع المادة 149 وصدامه مع الأصولويين الذين ينجرفون بالدستور الى دولة دينية وخروجه في تظاهرة يهاجم اللجنة، كما هاجم قبل ذلك تصريح 28 فبراير ووصفة بأنه نكبة على مصر، ووصف اللجنة المشكلة لوضع الدستور بلجنة الأشقياء.
مع ذلك فاز الوفد عام 1924 بأول انتخابات تشريعية تحت قوة دستور1923، وظل معمولا بهذا الدستور حتى عام 1930، حتى تم إلغاءه بواسطة اسماعيل صدقي باشا في 22 اكتوبر 1930، وتم تشكيل دستور جديد أطلق علية دستور 1930 والذي أطلق علية عبدالعزيز باشا فهمى انه ثوب فضفاض.
وللغرابة ايضا كان حزب الوفد أقوى واكبر قوى سياسية حفزت الهمم من الشعب وطلاب المدارس والجامعات وقاد المظاهرات اعتراضا على الغاء الدستور، ومطالبين بإعادته حيث ظل خمس سنوات كاملة لا يتم العمل به ويناضل من اجل اعادته، واعتبر تلك السنوات نكسة للديمقراطية، وتم التنكيل بالوفد وبزعيمة، حتى كللت مساعيهم وتم عودة دستور 1923 وسقوط دستور اسماعيل صدقى (1930).
عاد دستور 1923 بموجب الأمر الملكى من الملك فؤاد الأول رقم 142 لسنة 1935، وظل معمولا به حتى كانت حركة الضباط الأحرار، وقيام مجلس قيادة الثورة بإلغائه نهائيا فى10 ديسمبر 1952.
لقد ولد دستور 1923 من رحم ثورة 1919،، ويعتبر اقرار هذا الدستور من اعظم انجازاتها، ومصر من أقدم دول العالم الثالث التى عرفت الدساتير، فقد تشكل اول برلمانى مصرى عام 1866،وقد تعطل بعد احتلال انجلترا لمصر 1882، لذلك يعتبر دستور 1923 اول دستور حقيقى لمصر يوضح طريقة الحكم ويؤصل العلاقة ما بين الحاكم والمحكومين، ولقد جاءت كثير من المواد تدعم الدولة الحديثة التى تدعم الحريات وترسخ قواعد الديمقراطية وترسخ دعائم الدولة العصرية، مع ان البعض نظر الى تلك الفترة على انها تقليد اعمى للغرب أو بنظرية انها صنيعة المحتل الإنجليزى ليبعدنا عن هويتنا وديننا ويهدد قوميتنا.
تعتبر تلك الفترة ايضا من أهم الفترات في تاريخ الأحزاب السياسية، والتى نعتبرها درة التجارب السياسية أو مايطلق عليها العهد الليبرالى .
واهم ما يميز دستور 1923 هو الحريات التى صيغت في مواده المختلفة، مثل حرية الصحافة، وأبعد الدولة حقها في سيطرة الرقابة او المصادرة حيث نص على : (الرقابة على الصحف محظورة) .
وكذلك حرية الإجتماعات بدون اخطار الشرطة او اذن منها، أو حضورها الإجتماعات ويعتبر ذلك انتصار للديمقراطية وترسيخ لها.
نص المادة 12 (حرية الاعتقاد مطلقة)، ودور حزب الوفد المناهض على وجود المادة 149 بالدستور( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية) ويرى ان وجودها يجر البلاد والعباد الى الهاوية لأنها ستهدد كيان الأمة ووحدتها ووجودها ويجب الغاء تلك المادة تماما لأنها تتنافى مع حرية الإعتقاد، كذلك هاجمها طه حسين عميد الأدب العربى ودافع عن مفهوم الدولة المدنية وهاجم اللجنة وانها لا يرضى تماما على نصوصه كاملة وأفند رأية وان نص دين الدولة يتنافى مع حرية الإعتقاد .
وونص على «جميع السلطات مصدرها الأمة» وتلك المادة التى حاربها الملك وسعى الى الغائها بدعاوى عديدة وانها تحد من سلطاته، مع ان التشريع كان بيد الملك والبرلمان، واعطى الدستور للملك حق السلطة التنفيذية، وله حق حل البرلمان، وتعين وزرائة وإقالتهم .
من الإيجابيات نص المادة رقم 3 التى نصت أن ( المصريين لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين، وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية) وهذا أعطى الحق لكل مصرى مهما كانت ديانته اول لغته او لونة التمتع بالحصول على الوظائف بدون تميز ولا تفرقة، وفى ذلك الوقت كان بمصر مسلمين واقباط ويهود، ولابد من تعزيز دولة المواطنه التى تحترم كل أبنائها ولا تفرق بينهم .
كما اعطى الدستور للدولة مسئولية حماية حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد المختلفة، والحفاظ على الهوية والعادات والتقاليد واحترامها وصونها وذلك من خلال المادة 13 من الدستور.
و اعطت المادة 14 الحرية في الرأى والتعبير طبقا لنصها ((حرية الرأى مكفولة، ولكل إنسان الإعراب عن فكره بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون))
اما المادة 19 فقد ألزمت بحق التعليم الإلزامى والمجانى كما في النص ( التعليم الأولى إلزامى للمصريين من بنين وبنات، وهو مجانى في المكاتب العامة) وهنا نتذكر قول طه حسين: (ان التعليم كالماء والهواء) ولأن نهضة اى امة لا تحدث بدون التعليم .
كما اعطى الدستور للمصريين حق تكوين الجمعيات، وان الوزارة لايتولاها الا مصريين ولا يتولى اى وزارة احد من افراد العائلة الحاكمة، ولا يجوز القبض على مواطن الا بالقانون،وحريتة الشخصية مكفولة.
لقد أعطى دستور 1923 قدر كبير من السلطة للشعب، وكذلك حماية الحريات، والمساواه بين أبنائه وعدم التضيق، لذلك عندما حاولوا عدم العمل به والغائه اندلعت المظاهرات في كل مكان حتى أرغم الملك والحكومة على اعادته.
ولا شك ان ماحدث بعد ذلك من قيادة حركة الضباط بإلغاء الأحزاب بدعوى تصارعها فقط من اجل السلطة واخفاقها في تحقيق اى مردود للشعب فتم وئد التجربة والغاء الأحزاب ومعها سقوط الديمقراطية ورفعوا شعار لا ديمقراطية سياسية بدون ديمقراطية اجتماعية وللاسف لم يتحقق شىء وخضنا في الفترة الناصرية تجارب فاشلة .
و في عهد السادات رفع شعار لا ديمقراطية سياسية بدون ديمقراطية اقتصادية فاتجة الى انفتاح اطلق علية بهاء الدين انفتاح سداح مداح وصنع له دستور 1971 وما به من عوار.
ومازلنا في حاجة الى اصلاح سياسى اتمنى في لقاءات الحوار الوطنى المزمع بدايتها الشهر المقبل ان نصل الى ما نبتغية لجمهوريتنا الجديدة ويليق بها كدولة مدنية عصرية حديثة ناهضة متقدمة .
ولنا أن نشعر بالفخر لكفاح الشعب المصرى لنيل حريتة واستقلاله ومرور مائة عام اليوم على ذلك التاريخ برغم كل التحفظات التى اخذت على التصريح الا أن مصر اصبحت دولة مستقلة لها سيادة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.