عبد اللطيف سالم يكتب | أليس من الكلمات أيضا قنابل؟
أليس البدء كان انفجارا وكان منه هذا العالم بكل ما فيه من أكوان في كل جهة ولا أحد يدري بالضبط من أين تبذأ هذه الأكوان ولا أين تنتهي ويقول العلماء أن سبب هذا الانفجار كان جزيء ا صغيرا ( هباءة ) وكان يعاني من انضغاط في الطاقة أدى به إلى ذاك الانفجار العظيم في تلك اللحظة والمشكلة التي لم يهتد العقل البشري إلى الآن إلى فهمها وحلها هي هذا العدد الكبير لتلك الشظايا التي خلفها وضخامتها بالنسبة إلى حجم ذلك الجزيء المتناهي في الصغر. فهل يمكننا القول اليوم أيضا أن في بعض الكلمات المتداولة بيننا ما يمكن أن تكون بمثابة تلك الجزيئات المادية تعاني هي أيضا من انضغاط في الطاقة تنذر العالم بالخطر الداهم إذ نخاف أن تنفجر بنا يوما فتقضي على هذا العالم بكامله ليُستعاض عنه بعالم آخر و قد يكون هذا ممكنا حصوله كما حصل بالفعل في الأول .
لنحذر إذن في اللغة أيضا من هذه الكلمات القنابل والمنضغطة أيضا في الطاقة والمهددة لنا بالانفجار في كل لحظة .
يبدو أن العديد منها قد بدأ يزحف الآن على العالم لتخريبه وتهديمه ولو بدون انتظار من ذلك لأية فائدة ، إنه فقط لابد لعاصفة الكلمات هذه من أن تهب في اللحظة السانحة كما لو هي جيش من الأشباح لا أول له و لا آخر محكوم بروح التغيير اللازمة والدافعة بهذا العالم إلى التحول إلى عالم آخر ربما أفضل منه أو ربما أتعس من يدري ؟ .
بعض هذه الكلمات ما اشتهر بيننا ترديده منذ مدة طويلة في هذا الظرف المتردي من مثل كلمة ” الحرمان ” التي قد تدفع بالمرء إلى الخلق والإبداع إذا وجد إلى ذلك سبيلا أو إلى ارتكاب الجريمة بأنواعها إن وجد إلى ذلك سبيلا أيضا ومن مثل كلمة ” الحاجة ” التي يقال عنها أنها أم الاختراع ولعل هذا الهجوم المتوقع على الدنيا كلها هو أبشع اختراع لهذه الأم إذا انفجرت ، وكلمة ” الفقر” الذي يقال عنه أنه كافر بالله وأنه لو تمثل لعلي بن أبي طالب رجلا لقتله كما جاء في الأقوال- المتداولة عنه ، وكلمة ” اليأس ” التي كم كانت سببا في الاكتئاب وفي الإحساس بالتوحّد وحتى في انتحار العديد من البشر، وكلمة ” السأم ” تلك التي تدفع بالمرء إلى القبول بالأمر الواقع أحيانا كما هو أو الهروب منه إن أمكن إلى واقع آخر أفضل منه ما يتسبب أحيانا للمرإ في “الحرق ” غير مضمون العواقب وأحيانا في الاحتراق بالكامل بلا شفقة وبلا رحمة بنفسه .
وللتذكير بما فعلته مثل هذه الكلمات القنابل انظروا في كلمة ” برويسترويكا ” الروسية التي تعني التغيير والانفتاح على العالم الحر وقد فجّروها في الاتحاد السوفيتي فأطاحوا به وحطموه على الآخر…
وهاهي اليوم كلمة ” الإرهاب “التي ابتدعتها إحدى الحركات الدينية لمواجهة العالم الغربي بأفكارها التنويرية في اعتقاها والتي تريد بها هي أيضا تحقيق عولمة قديمة على حساب هذه ال ” عولمة ” الجديدة الناشئة بمعنى أنها تريد العودة بنا إلى الخلافة الرشيدة والرغبة في استمرار نشاطها وانتشارها على العالم كله لكن ” الرأي شباب ” كما جاء في الأمثال الشعبية عندنا فقد افتكت العولمة الجديدة هذه الكلمة لتجعل منها كحق أريد به باطل وتجعل منها سلاحا ضد تلك العولمة التي قامت أخيرا في وجهها .وهكذا صارت هذه الكلمة ” الإرهاب ” تفعل بفعلها منذ مدة طويلة في صالح هذه العولمة الناشئة وخادمة لها في كل جهة من العالم وتتسبب في إفساد العلاقات بين العديد من الشعوب وبين العديد من الدول وتهدد بخطر التصادم حتى بين القوى العظمى في العالم ، أليس إيقاف المعاملات بالغاز الطبيعي بين الدول إرهابا ومنع تصدير الحبوب إلى محتاجيها من الشعوب إرهابا وها أن مثل هذا السلوك الذي قد صار متبادلا بين الدول في المدة الأخيرة قد صار معمولا به حتى داخل الدول نفسها في ما بين فآتها وأحزابها وحتى في ما بين مثقفيها ولا عجب فإن ما يفعله أي جنس ينعكس على انواعه منه وهكذا تتوالد الأبعاد من أبعاد والأجناس من أجناس والأنواع من أنواع والكل هو دائما في الواحد والواحد في الكل مهما اختلفت أو تنوعت أجزاؤه…والنجاح في الأخير للأقوى حب من حب وكره من كره …