عبد اللطيف سالم يكتب | مشاكل التعليم في تونس
هل المشكل الأكبر في تونس متمثلا في الانقطاع عن الدراسة أم في الانتهاء منها ؟
لقد كثر الحديث هذه الأيام عن الانقطاع عن الدراسة أو ما يسميه البعض التسرّب المدرسي كما لو كان هو المشكل الأكبر في حياتنا الاجتماعية ويكاد يتوقف الحديث في المقابل عن المنتهين من الدراسة والمتحصّلين على الشهائد العليا الهامة والمعطلين في نفس الوقت عن العمل في حين أن الناس اليوم في المجتمع الغربي منهم بالخصوص لم يعودوا يبالون كثيرا بالاستمرار في الدراسة إلى النهاية معتبرين ذلك من التّرف ولا يقوم به إلا أبناء البورجوازيين الذين هم في العادة ليسوا في حاجة إلى “الشغل ” أو إلى العمل ، أما العامة من الناس فقد صاروا يرون في مواصلة الدراسة إلى النهاية مضيعة للوقت ، الوقت الذي يحتاجون إليه – في رأيهم – في طلب الرزق أكثر من احتياجهم إليه في طلب المعرفة خصوصا في هذا الزمن الحالي الذي صار الناس فيه يعتقدون في أنه بإمكانهم الحصول على هذه المعرفة متى أرادوا أو متى احتاجوا إليها وذلك من أستاذ الجميع السيد “قوقل Google ” أو غيره من المحركين للعلم والمعرفة في هذا الزمن بواسطة أدوات الاتصال والتواصل العديدة والمختلفة المتواجدة أوالتي تكاد تكون موجودة في كل منزل . وهكذا قد صار يكفيهم –في إعتقادهم- من الدراسة ما يخرج بهم عن الأمية ويجعلهم قادرين على القراءة والكتابة .
لكن المهمّ في هذه القضية كلها هو في أن المنقطعين عن الدراسة والمنتهين منها في أوروبا يجدون بسهولة الحاضنة الاقتصادية التي تكفل لهم شغلهم وتأخذ بأيديهم للاطمئنان على مستقبلهم كما يجدون أيضا المجال صالحا ومناسبا لبعث المشاريع الفردية لاكتساب رزقهم بمساعدات وتشجيعات من حكوماتهم في حين أنه في بلداننا لا يتوفر لنا ذلك بسهولة . ولا علينا أن نتساءل عن الأسباب فهي كثيرة ومتنوعة ، منها ما هو ثقافي ومنها ما هو تاريخي ومنها ما هو وراثي ومترسّب في العقلية (شرقية كانت أو غربية) ويصعب استئصاله أو تغييره بسهولة ويكفي أن نذكر من كل ذلك التطور المستمر للمنظومات الاقتصادية في الغرب بحيث لا تزال دائما قادرة على استيعاب اليد العاملة رغم تطور الآلة وتعويضها لها في مجالات عديدة ومختلفة منذ زمن بعيد وهذا دليل على عبقرية المجتمع الغربي في التفكير دائما في إحداث مواطن شغل جديدة كلما اكتسحت الآلة مواطن الشغل القديمة وذلك هو سر تقدمهم المستمر أما شعوب العالم الثالث بما فيه من عرب المشرق والمغرب فقد تعودوا على الكسل وعلى القعود عن العمل وبالأخص منهم الذين توفرت لهم في بلدانهم تلك المواد الأولية والطاقية بكثرة وصاروا يستفيدون منها بدون عناء أو مشقة وقد قال أحدهم معبرا عن عقليتهم تلك ” إذا كان الله قد تكفل بالأرزاق فلأي شيء ركوبُ الأخطار واحتمال المشاق ؟ . “