عبد الله عطية شناوة يكتب | مخاطر تهدد مستقبل المجتمعات

0

في الأزمات العميقة التي تؤدي الى تخلخل منظومة القيم الفكرية والأخلاقية والسياسية، تكشف المجتمعات عما تخبئه أوساطها المختلفة من نوازع وتوجهات وميول، بعضها يعبر عنه بوضوح ويستتر بعضها الآخر بمبررات وتنظيرات تموه حقيقتها.
أزمة ((الربيع العربي))، أظهرت حقيقتين كبيرتين على نحو ساطع، أولها أن الغالبية العظمى في مجتمعاتنا شديدة البعد عن التفكير العلمي، وأقرب ما تكون الى الفكر الغيبي. وتجلى ذلك في الشعبية التي حازتها تيارات التأسلم السياسي في عملية الصراع الاجتماعي – السياسي، وفي حصول تيارات التكفير والإرهاب على حواضن شعبية مكنتها من إنشاء كيان سياسي – عسكري – ثقافي هو دولة الخلافة في العراق وسوريا، وامتداداتها في بلدان عربية وآسيوية وأفريقية أخرى.
الحقيقة الثانية التي كشفت عنها الأزمة هي ان مجتمعاتنا في كل دولة لم تتلاحم بعد كأمة، ولا تعد أن تكون مكونات أثنية، دينية، طائفية، قبلية، مناطقية، لم تنجح في إيجاد صلة تلاحم فيما بينها لتصبح أمة.
أما الجوانب التي كشفت عنها أزمة ((الربيع العربي)) على نحو ربما مازال مستترا، وهي مرتبطة بالجانب الأول – البعد عن الفكر العلمي – فتتمثل في روح تعالٍ وعنصرية صارخة تحملها جميع المكونات التي أشرنا اليها، ضد بعضها، وربما هي أكثر عمقا بين الأقليات، حيث تنمو في أوساطها تيارات تحمل كراهية غير محدودة للعنصر العربي، الذي يشكل الغالبية في هذه المجتمعات، واعتبار الفرد العربي متخلف وهمجي لاعتبارات جينية – عرقية، وليس لاعتبارات فكرية – ثقافية، ترتبط بمسار تأريخي ساهمت فيه قوى وعناصر محلية وخارجية، وظروف سياسية مختلفة. ومقابل بخس هذه التيارات للمساهمة الحضارية العربية حقها، وأنكار أي دور إيجابي للعرب في التأريخ، وتقوم بتعظيم الحضارات السابقة للحضارة العربية – الإسلامية ونفي جوانبها السلبية. وتؤشر هذه الحقائق وغيرها الى تصدعات وشروخ هائلة في مجتمعاتنا، تهدد وجودها إن لم تعالج معالجات علمية حضارية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.