عبد الله عطيه شناوة يكتب | تأكل ديمقراطية السويدية

0

بين ستينات وسبعينات القرن الماضي، بلغت الديمقراطية السويدية ذروة مجدها وأرتقائها. حيث أصبح البرلمان من غرفة واحدة، وليس من غرفتين أحداهما للنواب والثانية للشيوخ، كما هو شائع في عديد من الديمقراطيات. وتقاسمت الهيئات التمثيلية الأدنى مثل مجالس المحافظات، وبلديات المدن، الصلاحيات مع البرلمان ومع السلطة التنفيذية، فأخذت مجالس المحافظات على سبيل المثال المسؤولية عن قطاعات مثل الصحة والمواصلات، فيما تمتعت مجالس البلديات بالمسؤولية عن إدارة وتمويل المدارس ورياض الأطفال ودور رعاية المسنين وغيرها من المجالات العامة. ليتمتع سكان كل محافطة وبلدية بفرص التحكم في إدارة شؤونهم بأنفسهم.
وكثيرا ما كانت البلديات ومجالس المحافظات تعود الى المواطنين وتجري أستفتاءات محلية بشأن القرارات التي ينظر اليها كقرارت تؤثر بشكل كبير على حياتهم، ليقرروا المضي فيها أو التراجع عنها.
وكان البرلمان يلجأ بدورة الى الإستفتاءات الشعبية العامة، عند مناقشة قرارات، ربما لا تكون مصيرية، ولكنها قد تؤثر على حياة الناس بشكل من الأشكال. أول استفتاء شعبي أجري كان حول ما إذا كانت السويد ستستضف دورة الألعاب الأولمبية عام 1912 أم لا؟ واحتاجت السويد الى تنظيم عمليتي إستفتاء لتقرير ما أذا كانت نظام سير العربات على الطرق السويدية سيستمر كما كان عليه، الى يسار الطريق، كما هو الحال في بريطانيا حاليا، أم ستبداله بالسير على اليمين. الأستفتاء الأول جرى عام 1922، وفضل السويديون حينها أبقاء الحال على ما هو عليه، لكن أبناءهم وأحفادهم، أختاروا تغيير مسارات المرور في استفتاء ثان أجري عام 1967.
وعلى خلفية حادث في احد المفاعلات النووية وقع عام 1979، نظم استفتاء شعبي عام 1980 حول الموقف من المفاعلات النووية وما أذا كان يتوجب تفكيكها والتخلي عنها ام استمرارها في العمل.
واستفتي الشعب السويدي أيضا عام 1994 فيما إذا كان يفضل انضمام بلاده للأتحاد الأوربي أم لا؟
الغريب والمثير في الأمر أن السياسيين السويديين لم يجدوا مؤخرا أية حاجة إلى استفتاء شعبهم، في موضوع الانضمام الى حلف الناتو، وهو منظمة عسكرية يمكن أن تجر السويد، إلى نزاعات عسكرية دولية، ظلت بعيدة عنها لأكثر من مئتي عام.
ولاتقتصر المشاكل التي تعانيها الديمقراطية السويدية على استغلالها المتعسف من جانب القوى السياسية المتنفذة بما ينسجم مع توافقاتها، حتى وأن كانت تتناقض مع إرادة الشعب، بل الأخطر من هذا هو الثقافة المنافية للديمقراطية التي اشيعت في المجتمع على شكل تريندات، يتم تداولها وتبنيها واستنكار ما يتعارض معها، ورفضه والسعي في بعض الأحيان الى قمعه وإزالته. بما يخلق أجماعا شكليا، يجعل أي مختلف يخشى من التعبير عن أختلافه، تحت طائلة الهجوم الذي يتوقع أن يتعرض له من الجميع.
فعلى سبيل المثال أصبح من قبيل الشجاعة الفائقة، وربما المغامرة، التعبير عن رأي مختلف في مواضيع مثل المثلية الجنسية وحقوق المثلييين، أو النسوية، وعلى الصعيد السياسي ما عاد سهلا أن تعبر عن رأي يختلف عن رأي واشنطن في المواجهة الروسية الأطلسية الجارية على الأرض الأوكرانية. وصارت مناقشة موضوع مثل حق سكان أقليم دونباس والمناطق الأوكرانية الأخرى الناطقين بالروسية في تقرير المصير، توصم بتأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، أما إعادة طرح موضوع حياد أوكرانيا فأصبح يعد كفرا، وتطاولا على سيادة بلد مستقل. ناهيك عن هول التساؤل عن شرعية قرار تخلي السويد عن الحياد وطلب الإنضمام الى حلف الناتو دون أستفتاء شعبي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.