عبد المجيد راشد يكتب | محمد على وبناء الاقتصاد المصري (1)

0

كان محمد على من بين كل رؤساء الدول في الشرق الإسلامي في ذلك العصر القائد الوحيد الذي يعتبر الاقتصاد أساس السياسة، ومن ثم كان هذا الضابط الألباني الواعي المدرك رجل دولة، والدولة التي كان بصدد إقامتها تتمثل بادئ ذي بدء عام 1805 في دولة قديمة عريقة ترتكز على جيش قوى فعال وتعتمد على نظام اقتصادي قوى حديث يقوم على الاكتفاء الذاتي.

لكي نفهم سياسة محمد على الاقتصادية وتوجهاته ينبغي الإشارة إلى انه لم يكن واليا عثمانيا تقليديا شأن الولاة الذين كانت اسطنبول تقذف بهم إلى باشاوية مصر ولا يفعلون شيئا سوى تحصيل الأموال وإرسالها إلى السلطان مع مخصوص يقال له “الصرجى” أي حامل صرة المال، ولكنه كان قيادة مختلفة من عدة أوجه:

• • فهو لم يكن عسكريا محترفا، وأن كانت هذه صورته التي عرفه بها المصريون، بل كان في الأصل رجلا مدنيا عمل بالتجارة وخدم في الجيش العثماني لبعض الوقت ثم ساقته ظروف الكساد الاقتصادي الذي صنعته حروب الثورة الفرنسية في أوروبا إلى تلبية دعوة السلطان العثماني على راس فرقة من الألبان الارناؤود للانخراط في الحملة العسكرية التي أرسلت لإخراج ألفرنسيين من مصر.

• • ومن ناحية أخرى فأن محمد على لم يكن تركيا آسيويا بالمعنى الاصطلاحي شأن عناصر السلطة العثمانية ولكنه كان أوروبيا من ألبانيا، ومن معاصرته للنشاط التجاري هناك أدرك أن قوة الدولة تتحقق من الصادرات وليس من الواردات وأن التصدير يعنى زيادة الإنتاج وتنويعه لتلبية حاجة الاستهلاك المحلى.

وقد أدرك محمد على بثاقب نظره الخطرين المتلازمين اللذين غدت مصر معرضة لهما في زمنه، مثلها مثل باقي العالم غير الغربي وهما:
أولًا: خطر أن تتجاوزهما الثورة الصناعية الثانية – الرئيسية – التي كانت تنطلق حينذاك بملء سرعتها في الغرب
ثانيًا: خطر الإبقاء في ظل مثل هذه الظروف على سياسة الباب المفتوح التي لابد أن تجعل الاقتصاد المصري أكثر تعرضا لخطر تعديات أوروبــا المنطلقة نحو التصنيع.

لمراجعة هذين الخطرين أقام محمد على عمليا، عبر فترة عشرين عاما، اقتصادا مخططا – قبل أن تصبح هذه الحكومة معروفة بوقت طويل مستفيدا من نصيحة بعض ألفرنسيين من أنصار سان سيمون الذين كانوا جزءا من بطانته – وكان قوام هذا النظام هو استيلاء الدولة على كل ألفائض المتاح وإنشاء قطاع دولة كبير شرع في خطة طموحة للتصنيع التعليمي واقتباس أفضل ما كان باستطاعة الغرب أن يقدمه إلى مصر في مجال المعرفة العلمية والتكنولوجيا بل وجوانب معينة من الثقافة.
فبعد أن استقرت السلطة السياسية في يد محمد على إثر تخلصه من تهديد انجلترا “حملة فريزر 1807” وكانت تحرض السلطان العثماني ضده، وإبعاده للسيد عمر مكرم 1809 ممثلا لزعامة شعبية رفعته إلى كرسي الولاية، ثم تخلصه أخيرا من المماليك 1811، تفرغ لبناء اقتصاديات مصر في الزراعة والصناعة والتجارة، وما يرتبط بكل منهما من مجالات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.