عبد المجيد راشد يكتب | محمد على وبناء الاقتصاد المصري (2)
كان الاقتصاد المصري قبل حكم محمد على في غالبه اقرب إلى اقتصاد الحاجة منه إلى اقتصاد السوق، فضلا عن ركوده العام وتدهوره طوال فترة الحكم المملوكي – العثماني، إذ لم تكن هناك تنمية زراعية حقيقية، أو اهتمام حقيقي بالري نظرا لأن الحكومات المملوكية – العثمانية المتعاقبة كانت من أصول بدوية لا خبرة لها بالزراعة، الأمر الذي أدى إلى تصحر كثير من الأراضي الزراعية وتضاؤل خصوبتها فضلا عن أن نظام الالتزام في جمع الضرائب “الخراج” أرهق ألفلاح بسبب تحصيل أموال أكثر من المقرر “برانى” وجعل من الملتزم صاحب سطوة ونفوذ بين ألفلاحين حتى لقد اعتقد علماء الحملة الفرنسية في مصر بأن الملتزمين ما هم إلا نبلاء، ومن ثم اتجه نابليون للقضاء عليهم أسوة بما فعلت الثورة ألفرنسية تجاه أمراء الإقطاع.
أما الصناعة قبل محمد على فكانت ما تزال بدوية بسيطة لم تصل إلى الآلية التي حققتها أوروبا بفعل الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت طوائف الحرف الصناعية وهي تنظيمات ذاتية حرة قد خضعت للحكومة، وأصبحت مشيخة الطائفة منصبا يتولاه من يدفع أكثر فلم تعد الطائفة والحال كذلك وسيلة للارتقاء بشئون الحرفة.
أما التجارة وهي وسيلة أساسية في تدوير راس المال فقد كسدت في مصر بسبب تحول جانب كبير من التجارة العالمية “الترانزيت” إلى راس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا بعد الكشوف الجغرافية، كما تأثرت التجارة الداخلية بعدم استقرار الأمن واشتداد النزاع بين الطرق العسكرية المتناحرة والغارات المتلاحقة لبدو الصحراء على القرى الآمنة، كما أدت اتفاقيات الامتيازات التجارية بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية والتي بدأت في 1535 مع فرنسا إلى سيطرة الأجانب على تجارة الصادرات عن طريق قناصلهم.