عبد الواحد حركات يكتب | تجديد مفهوم الهوية

0

تجاهل التجديد وعدم الوعي بقيمته كارثة فكرية لها أثار وخيمة على أي فرد أو جماعة أو شعب، فالتجديد بمعناه استبدال القديم أو إصلاحه وترميم الأذى والتلف اللذان لحقا به، ضرورة ينبغي أن يتم تلبيتها بشكل مستمر وكامل، وحينما تكون ركائز المجتمع بحاجة للتجديد فانه يكون اكثر ضرورة وإلحاحاً، فالمجتمع يخضع للتغير بشكل مستمر وللحفاظ على وجوده واستقراره يحتاج دائما إلى مواكبة التغيير ومحاكاته، وتأتي هوية المجتمع على رأس قائمة رأس المال الاجتماعي له، فهي الرمز الذي يصفه به الآخرين كمجتمع ذو هوية، وتجديد الهوية لا يعني استبدالها بل يعني رفع قيمتها وتنمية عناصرها وتطويرها والتأكيد عليها بشكل مستمر، ولتوضيح ديناميات تجديد الهوية سنعود إلى عناصرها ونبين آليات التجديد للعناصر التي تكون بمجموعها الهوية الوطنية للمجتمع، وذلك كالتالي:

تجديد لتاريخ: لا يمكن تجديد التاريخ كذاكرة أو ابتكار تاريخ جديد، علماً بأن التاريخ ينمو وغير محصور ويمثل كل الأحداث السابقة للآن، ولكنني أقصد بتجديد التاريخ تجديد وتنمية مهارات التفكير التاريخي، وإحياء التاريخ عبر زيادة كم التاريخ الحي في الذاكرة الاجتماعية، وتأثيث الثقافة بالمزيد من الرموز التاريخية مادية ومعنوية، وبعث التاريخ في الحياة الواقعية عبر وسائل متعددة، بشكل يحمل الذاكرة على تكوين خارطة جديدة لها تتسع لتاريخ قيمي أكثر وأكبر، وذلك عبر تداول تفاصيل التاريخ ونشرها عبر وسائل الإعلام والنشاطات الاجتماعية، واعتقد أن هذا أحد أهم عيوب مجتمعنا الذي اختصر التاريخ في رموز قليلة شكلت عبء اجتماعي وأسهمت في إضعاف وتشويش الهوية الوطنية.

التشويش حدث بسبب وجود ثقوب في التاريخ الحي، فرغم الايدلوجيا القومية العروبية السائدة في ليبيا، نجد أن هنالك فراغ تاريخي عربي أو رموز عربية في تاريخ ليبيا، وكذلك الحال للتاريخ الحديث السابق على الاحتلال الفاشستي عام 1911، ونجد ذلك يتكرر خلال الحقبة الملكية، وهذا الضعف في التاريخ الحي يقابله ضعف في الهوية الوطنية، وتفاصيل هذا كثيرة ومثيرة لا مجال للخوض فيها بعمق أكثر.

الأرض: تُعد المكافئ التقليدي لكلمة “وطن”، وهذا مرده إلى الملكية القبلية للأراضي التي كانت أساس الحكم والتعاون منذ حقب قديمة، فالأرض تمثل الوطن بالنسبة للعوام والعموم، ولكنها تتحدد بالمعني السياسي لها فهي الأرض التي تبسط عليها السلطة نفوذها دون غيرها، لذا تعطف عليها الهوية ضمنياً، ولغلبة القيمة السياسية للأرض يفترض أن يتم تجديدها كعنصر هوياتي، وذلك بإثرائها والتعريف بها سياسياً بشكل كاف، فيتم صبغ كافة ربوع الوطن بدلالات سياسية وتضخيم تاريخها الوطني، لضمان وجود روافد قوية ومتنوعة للهوية الوطنية الجامعة.

دائما هنالك صيغة مركبة للأوطان يصعب ترتيبها أو المفاضلة بين مكوناتها، فالأقاليم الجغرافية تحوز الهويات الصغرى التي يفترض أن تنمو وتترابط وتشكل هوية الوطن، وهنا نجد الضرورة تتمثل في التركيز على الروابط بين الأقاليم بعضها ببعض وارتباطها بالوطن.

الثقافة: الشمولية لهذا العنصر الفائق التأثير تجعل التجديد فيه مكثف ودقيق، فحساسية مكونات الثقافة التي تشمل الدين والمعتقدات وباقي معارف الانسان، توجب تجديدها باستمرار والحرص على مجاراتها للتطورات الفكرية، فالتطوير لم يعد محصور بالمحتوى فقط بل شمل أساليب التفكير وإدارة المعرفة، وهنالك أبحاث وتجارب ونظريات مذهلة في مجالات تطوير أساليب المعرفة والتفكير، لذا تحتم الضرورة تجديد نسيج الثقافة بالكامل وفق استراتيجيات محددة ودقيقة، ومرتبطة جيداً بالبيئة الثقافية للمجتمع وتراعي اشتراطات الهوية.

الهويات الصغرى: تجديد الهويات الصغرى يعني رفع درجة الانصهار في سبيكة الوطن، ودمج ألوان وفسيفسائه، وذلك يتم بتوضيح تكاملية الهويات الصغرى وإبراز قصورها عن تعويض هوية الوطن، وإدارتها بشكل دراماتيكي جيد يقلل من حدة المنافسة والتصادمات بينها داخل الوطن، فالانتماءات الأولية وهواجس ما قبل الدولة الدفينة يجب أن تعاد صياغتها ليس على نمطها التقليدي بل بنمط متطور يسمح لها بأداء دورها في مسيرة التنمية بدل أن تكون حجر عثرة،لمنع الهبو ط بالانتماء إلى ما تحت اسقف قزمية متصدعة ينبغي وضع استراتيجيات فاعلة وإيجاد آليات اندماج قوية للهويات الصغرى، للحد من صراع الاغتراب للماضي والاغتراب للمستقبل، وهذا التجديد يتم بفرض حالة سيولة المجتمع وإقامة مشروع وطني قوي وتوزيع مكاسب التنمية وإعمار ذاكرة الوحدة ثقافيا.

إننا مجبرون على البحث عن أفق أجمل لحياة أفضل، وعجزنا عن العيش دون جماعة يدفعنا دائما إلى خوض صراع الوجود بمختلف الطرائق والأساليب، ويحيلنا إلى البدائية والتوحش حيناً وحيناً آخر يحيلنا إلى ملائكية وسلم، وبين التوحش والملائكية نظل دائماً متخمون بهواجس الانتماء والتفرد، فلا نقنع بتوحشنا ولا نقنع بملائكيتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.