في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، تبرز الحاجة إلى نموذج تنموي جديد يخرج بمصر من “الوادي الضيق” — ذلك التعبير الذي يستخدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي لوصف واقع التنمية المحدود جغرافيًا واقتصاديًا. هذا “الوادي” لا يشير فقط إلى الشريط الزراعي حول نهر النيل، بل إلى حالة من الاعتماد على الموارد التقليدية، والبيروقراطية المعطّلة، وتباطؤ الاستثمار الخاص.
جاء تأسيس المجلس الأعلى للاستثمار ليكون أحد الأدوات الفعالة في هذا التحول، إذ يهدف إلى تهيئة مناخ استثماري جاذب وتحفيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني. يترأس المجلس رئيس الجمهورية، وتضم عضويته الوزراء والمسؤولين المعنيين، إلى جانب ممثلين عن القطاع الخاص، ما يمنحه ثقلًا سياسيًا وتنفيذيًا عاليًا.
أبرز مهام المجلس تتمثل في: إزالة معوقات الاستثمار، تسريع إصدار التراخيص، تحسين الشفافية، وتعديل السياسات لتواكب المتغيرات العالمية. وقد أصدر المجلس في اجتماعاته الأخيرة أكثر من 20 قرارًا لتحفيز الاستثمار، من بينها: توسيع نظام “الرخصة الذهبية”، تعزيز التحول الرقمي في الإجراءات، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية للمشروعات الصناعية والزراعية والتكنولوجية.
وتتفق هذه الجهود مع رؤية مصر 2030، التي تسعى إلى خلق اقتصاد متنوع ومبتكر ومستدام. فـ”الخروج من الوادي الضيق” لا يعني فقط التوسع الجغرافي في سيناء والصعيد والساحل الشمالي الغربي، بل يمتد ليشمل إصلاح السياسات الاقتصادية، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتحرير الطاقات الكامنة في الشباب والقطاع الخاص.
وتشير الإحصائيات إلى تحسن نسبي في المؤشرات الاقتصادية، حيث ارتفع معدل النمو الاقتصادي في الربع الثاني من العام المالي 2024/2025 إلى 4.3%، وزادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 2.7 مليار دولار. كما سجلت بعض القطاعات الحيوية مثل الصناعة غير النفطية والسياحة نموًا ملحوظًا، رغم تراجع أداء قطاعات مثل قناة السويس والغاز الطبيعي.
ومع ذلك، ما زال الطريق طويلًا. فالتحديات مثل التضخم، وسرعة تسوية منازعات المستثمرين، وتحقيق المنافسة العادلة، تتطلب تنفيذًا فعليًا لما يقرره المجلس الأعلى للاستثمار، وليس الاكتفاء بصياغة السياسات فقط.
في النهاية، يمثل المجلس الأعلى للاستثمار منصة استراتيجية للانطلاق نحو تنمية حقيقية تتجاوز “الوادي الضيق” إلى آفاق اقتصادية أكثر رحابة، شرط أن تتكامل السياسات مع إرادة الإصلاح والتنفيذ الجاد.
