عطا ضرغام يكتب | اختلاق الحرب الباردة وتقسيم العالم

0

شكل صعود الولايات المتحدة إلي مرتبة القوي العظمي بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية- كقائد للمعسكر الرأسمالي الغربي خلفًا لبريطانيا وفرنسا-حدثًا تاريخيًا مهمًا ؛ لما له من أهمية كبري في رسم المقدرات، وتشكيل مستقبل الدول والجماعات. وبالطبع لم يات هذا الصعود بصورة مفاجئة،وإنما أخذ الأمر عدة مراحل بدات من قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم استمرت إلي يومنا هذا، وكانت كل مرحلة تتناسب مع طبيعة ومقومات وقدرات الولايات المتحدة.
وكانت أهم النتائج التي ترتبت علي هذا الصعود العالمي ما عُرف باسم الحرب الباردة ، وهي الحرب التي تناوب فيها المعسكران: الغربي بزعامة الولايات المتحدة، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي الصراع للسيطرة علي مقدرات العالم وشعوبه بصورة جديدة جدًا في التاريخ، تجنب كلا الفريقان فيها “الحرب الساخنة”؛ لأنه في حالة اندلاعها فستكون كفيلة بتدمير العالم، ولذا فقد استبدل المعسكران الكبيران تلك “الحرب الساخنة” ب” الحرب الباردة “، التي لم تنشب بسبب مواجهة عسكرية ساخنة بين المعسكرين الكبيرين، سواء بالجيش أو باستخدام السلاح الذري، لكنها كانت أكبر من كونها صراعًا عسكريًا مباشرًا، فقد دعم كل من الفريقين دولًا وجماعات ضد مصالح الأخري في كل أنحاء العالم، وامتد نطاقها الجغرافي ليشمل أرجاء الكرة الأرضية بأسرها، بل امتدت إلي الفضاء الخارجي؛ فهي حرب علي كل الجبهات أخذ الجانب الإعلامي فيها دورًا بارزًا ، فبرزت الدعاية الإعلامية بدلًا من الحرب الحقيقية، وكان المعسكران الكبيران ضمنًا علي أن التراشق بالكلمات أفضل بكثير من التراشق بالصواريخ النووية، فبعد أن كانت الدعاية سببًا لنشوب الحرب الساخنة في الماضي، أصبحت هي المبرر لهذا الإنفاق المهول علي التسلح في كلا المعسكرين بدعوي الخوف من الآخر.
وقد بدأت الحرب الباردة فعليًا قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بضرب هيروشيما ونجازاكي بالقنبلتين الذريتين .أما رسميًا فقد بدأت بسلسلة من الأحداث المتلاحقة في عامي 1946 و1947 . وقد كللت هذه الأحداث بابتداع ما بات يُعرف باسم “سياسة الاحتواء” التي كانت تهدف إلي احتواء الولايات المتحدة للاتحاد السوفيتي دون الوقوع في حرب ساخنة كفيلة لتدمير العالم بأسره، وانتهت هذه الحرب من الناحية النظرية بإعلان انهيار الاتحاد السوفيتي في الخامس والعشرين من ديسمبر 1991 ؛ لتتربع الولايات المتحدة وحدها منفردة علي مقاليد العالم حتي يومنا هذا.
وبين البداية والنهاية ( 1945- 1991) أخذت هذه الحرب الباردة بضع مراحل،عدّها المؤرخون ستًا كانت تتباين بتباين أفكار ورؤي كل إدارة أمريكية جديدة،ووفقًا لمستجدات ومتغيرات الفترة التي تسلمت فيها هذه الإدارة مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد يأتي كتاب الدكتور أحمد جلال بسيوني بعنوان (اختلاق الحرب الباردة) ، وتأتي الدراسة في خمسة فصول.
جاء الفصل الأول تحت عنوان:” الأمريكيون في مفترق الطرق: مدخل تاريخي”. وهو بمثابة فصل تمهيدي للدراسة عالج أربع قضايا هي: موقف الأمريكيين من كارثة الكساد الاقتصادي الكبير؛إعادة تشكيل الفكر القومي الأمريكي؛ الأمريكيون بين بين العزلة والانفتاح؛ والأمريكيون في مفترق الطرق بعد روزفلت. فقد مثلت هذه القضايا الأربع القاعدة التي انطلقت منها إدارة الرئيس هاري ترومان، كما أنها القضايا التي انعكست علي المجتمع الأمريكي في مرحلة التحول من روزفلت إلي ترومان،وعلي ضوئها سيكون الحراك الداخلي الامريكي الذي سيتم معالجته في الفصل الثاني ، الذي جاء تحت عنوان “الأمريكيون في مرحلة التحول”.
وقد عالج هذا الفصل قضايا التحول في الإدارة الأمريكية من روزفلت إلي ترومان ، ابتداء من اختيار ترومان نائبًا لروزفلت في دورته الرابعة، ثم خلافته له في الرئاسة،وملامح التغيير التي أحدثها البيت الأبيض ومدي التحول في طريقه ونظام الإدارة.
وبعد ذلك عالج الفصل المتغيرات التي اعترت المجتمع الأمريكي في مرحلة التحول تلك، وما انتاب المواطن الأمريكي من نجاحات أو إخفاقات أدت إلي خسارة الديمقراطيين للسيطرة علي بيتي الكونجرس وهبوب نقابات العمال للدفاع عن مكتبساتها التي جنتها طوال فترة حكم روزفلت إلي أن نصل إلي تفشي ما عُرف باسم “حمي الماكارثية” داخل المجتمع الامريكي.
أما الفصل الثالث فهو بعنوان: ” الطلاق الودي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي” ، وفيه تم التعرض لقضايا الخلافات التي دبت بين المعسكرين الكبيرين بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعد أن كان التفاهم والوفاق هما الأمرين السائدين طوال سني الحربن فقد كان لكل فريق مصالحه الخاصة التي يرغب في تحقيقيها، وبالتالي أدي الاختلاف في المصالح إلي حدوث الشقاق بينهما، وبرزت إلي العلن موضوعات كانت العماد الرئيس لفترة الحرب الباردة ، مثل الستار الحديدي ومبدأ ترومان وسياسة الاحتواء ؛ ليتحول الصدام إلي صراع أيديولوجي بين المعسكرين الكبيرين تحت مصطلح الحرب الباردة.
وهنا يأتي الفصل الرابع؛ ليناقش :” الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في فترة الحرب الباردة” وهي المناقشة التي ستعالج قضايا : الثوابت الاستراتيجية في السياة الخارجية الأمريكية لفترة موضوع الدراسة؛ والإستراتيجية الأمريكية تجاه قضية ألمانيا؛ و”مشروع مارشال” لإنعاش الاقتصاد الأوربي؛ و”حلف شمال الأطلنطي” لتكتيل غرب أوربا؛ و”مشروع النقطة الرابعة” لجذب الشعوب الأقل نموًا و”اتفاقية الجات” التي تعبر عن إستراتيجية النفعية الأمريكية.
فالإستراتيجية الأمريكية التي تناولها هذا الفصل تركزت في الأساس علي حماية المناطق”الموالية “للولايات المتحدة من الوقوع فرسية في يد ما كانت تراه واشنطن “أطماعًا سوفيتية”.أما المناطق الأخري التي لم يكن للولايات المتحدة سيطرة مباشرة عليها، وفي الوقت نفسه تخشي من خطر وقوعها في يد الاتحاد السوفيتي، فقد تناولها الفصل الخامس والأخير بعنوان:” الهيمنة الأمريكية والشرقان الأقصي والأوسط.
فقد تناول هذا الفصل طبيعة نظام الهيمنة الأمريكية، الذي كان يهدف للسيطرة علي كل ما تقع عليه يداه دون التورط في حالات استعمار مباشر، ولما كان الشرقان الأقصي والأوسط هما المكانين الجغرافيين البارزين لتطبيق هذه الرؤية؛ فقد ركز هذا الفصل علي أبرز القضايا التي واجهتها الولايات المتحدة فيهما.
ففي الشرق الأقصي كانت قضايا : موقع الشرق الأقصي من السياسة الأمريكية؛ السياسة تجاه اليابان؛والموقف من توحيد الصين،والتورط في الحرب الكورية. أما قضايا الشرق الأوسط فكانت: موقع الشرق الأوسط من السياسة الأمريكية: وسياسة ترومان تجاه الصهيونية وفلسطين؛ والموقف الأمريكي من النفوذ السوفيتي في إيران.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.