عطا ضرغام يكتب | حول الثقافة الشعبية القبطية

0

الفولكلور القبطي هو أصل الفولكلور المصري،، سواء في الفنون القولية من غناء وتعاويذ ورقي وبكائيات وحكايات وأمثولات وألغاز،أما البصرية كالرسم والنقش والوشم والنحت والزخرفة وتشكيل الأواني الفخارية والحرف اليديوة الفنية ،وما إلي ذلك.
فالعامية المصرية، وإن بدت كأنها فتات من تكسير العربية الفصحي علي ألسنة العامة إلا أنها لم تخرج من عباءة اللغة العربية الفصحي، بل كانت قائمة علي مفردات من اللغة القبطية باتت تتراجع يومًا بعد يوم بحكم سيطرة اللسان العربي علي جميع مجريات الأمور في الحياة ؛ لتحل محلها مفردات من اللغة الجارية، ولكنها محملة بمعاني ومداليل تختلف عن معانيها الأصلية في القاموس العربي؛ إذ إن المفردة وإن كانت عربية ؛ فإن طريقة نطقها علي اللسان المصري حمّلتها مشاعر جديدة وضخمتها بزخم حياة مختلفة عن الحياة التي نشأت عنها اللغة العربية.
فما إن تكاملت العامية وباتت لغة حياة يومية حتي كانت قد حملت موروث مصر الحضاري والمعرفي والوجداني، الذي ما لبث حتي ظهر في البكائيات والمواويل وأغاني التخمير والبذار والري والحصاد والأفراح والموت والميلاد.
وكذلك الأمر بالنسبة للفنون البصرية، عصبها الأساس روح الثقافة المصرية القديمة يعلن عن هويتها المصرية حتي بعد استيعابها لتأثيرات ثقافية وافدة علي مختلف العصور في تاريخ مصر.
وقد اهتمت الدراسات الشعبية بتقديم أكثر من بحث وأكثر من دراسة عن الثقافة الشعبية القبطية ، وذلك لاستجلاء المكونات التاريخية والاجتماعية والعقائدية للشخصية المصرية سواء أكانت تدين بالمسيحية أو بالإسلام ؛ إذ نحن في الواقع- أحوج مانكون إلي هذا الفهم والاستيعاب.
إن الكثيرين منا يمارسون عادات ويشاركون في طقوس قد لا يعرفون حقيقة أصلها أو المناسبة التي فرضتها علي السلوك الشعبي في عصر من العصور، ومعظم موالد أولياء الله الصالحين الذين نحرص علي حضورها بشغف تقدم لنا من الطقوس والألعاب والسلع المبيعة من الحلوي والحمص وبعض منتجات الحرف اليدوية وصانعي الأختام والأوشام. ووراء ارتباط الجماهير بكل هذا قصص وحكايات وتواريخ، وهذه المظاهر ليست في الموالد الإسلامية وحدها، بل هي مظاهر مصرية موجودة بحذافيرها في الموالد المسيحية مع اختلافات قليلة في طقوس الديانتين.
والباحث أشرف أيوب معوض يقدم لنا في كتابه ( حول الثقافة الشعبية القبطية) طائفة من ظواهر الفولكلور القبطي الخاص بالموالد المسيحية حافلة بالمعلومات التاريخية والعقائدية والاجتماعية لا يعرف القاريء المعاصر شيئًا كثيرًا عنها،مع أنها من صميم مصريته.
يُطلعنا هذا البحث علي دراما يهوذا، تلك الدراما الشعبية التي حرص القبط المسيحيون علي إقامتها في يوم معلوم من كل عام في ساحة أمام الكنائس أو في داخلها، حيث يقوم المحتفلون بتمثيل مسرحية عتيدة يحفظونها جميعًا عن خيانة يهوذا للسيد المسيح ويختارون شخصًا لتمثيل دور يهوذا،وكان ذلك موقفًا صعبًا علي من يقبل القيام بهذا الدور؛لأن جميع المشاهدين لابد أنهم سيندمجون في الحالة فيغيب عنهم- من فرط التأثير- الوعي بأنهم يمثلون فينهالون علي ممثل يهوذا- باعتباره يهوذا الفعلي- باللعن والضرب..إلخ.
يجول بنا أشرف أيوب في الموالد المسيحية للقبط، وفي دير العدرا، وفي أغاني القدس التي أبدعتها القريحة المصرية علي امتداد الزمن تقديسًا لهذه المدينة المقدسة في عالم الوشم،إنه لعالم حقًا أنواعه وحرفيوه وزبائنه وآلياته ،وما يرتبط بأشكاله من معتقدات،حيث الأوشام أشكال يتخذها بعض الناس تمائم سحرية،ورموزًا للتفاؤل وبطاقة هوية أحيانًا..إلخ.
ثم نجول في عالم الأعراس القبطية وما تحفل به من طقوس؛ أي أننا باختصار وبساطة نجول في أعماق الشخصية المصرية التي سبقت الأمم قاطبة إلي اكتشاف الدين واستكشاف الطريق إلي الله الواحد ثم احتضنت الأديان الثلاثة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.