البعض يخلط بين المشروع الايديولوجي السياسي والمشروع الثقافي للجمهورية الجديدة، وهنا أعني المشروع الفكري والانساني الذي تتأسس عليه الجمهورية الجديدة، وهو غير مرتبط استمراره ونموه بالرئيس، ولكنه مشروع أمه تعيش تحت لوائه أجيال وأجيال. لكي يتضح مقصدي، فهناك برامج أو ايديولوجيا ثقافية تأتي كنتائج لثورات فكرية شعبية مثلما حدث في أوروبا حيث ثار الشعب في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وغيرها من الإمارات الأوروبية، ضد دولة الكنيسة، حيث كانت الشعوب تعاني من فرض قوانين لاهوتية دينية، وهذه القوانين تُحارب العلم وترفضه مثلما كفرت جاليليو وغيره من العلماء والفلاسفة، وكانت تضع قيود علي حرية التجارة وتمنع تداول السلع بين إمارة وإمارة إذا لم توافق الكنيسة وكان ينصاع أمراء أوروبا لسلطة الكنيسة لأنها تحميهم من ثورة الشعب، حيث كان الكهنة يكفرون أي مواطن يعارض قرارات الكنيسة والأمير، وبعد الثورة الصناعية وزيادة السلع مع بذور الثورة الصناعية الاولي، تلاقت احلام الفلاسفة والمثقفين مع اصحاب راس المال حيث وجد المصنعين في افكار كانط وديكارت وكل هؤلاء الذين نادوا بالحرية وتغليب العقل علي التخلف والجمود، مصلحة كبيرة لهم خاصة وان الايديولوجيا الثقافية والسياسية الجديدة ستسمح لهم بتصدير منتجاتهم لكل دول العالم بدون قيود كما ان المجتمع العلماني الحديث سيشجع علي العلم بلا قيود مما سيساهم في تطوير منتجاتهم عن طريق الاكتشافات العلمية، ويعيشوا بصحة افضل عندما يكتشفوا ادوية جديدة وعلاجات حديثة وهنا تحول كل ما كان ينادي به الفلاسفة في العصور الوسطي لمشروع شعبي اجتمع حوله الشباب الذين عانوا من صكوك الغفران واستخدامهم من قبل الكنيسة اسواء استخدام.
بينما هناك مشاريع ثقافية وايديولوجية تتأسس من خلال حزب سياسي او اشخاص فمثلا هناك المشروع الايديولوجي البلشفي الشيوعي والذي اعلنه لينين ومن جاء بعده مثل استالين، وكان هذا المشروع في عمومه ينادي بتحرر الشعب وعماله وفلاحيه من قيود صاحب العمل والاقطاع وضد نظام الملكية، وكان يري فلاسفة هذا المشروع ان البروليتاريا اي عمال المصانع ومعهم الفلاحين واصحاب المشروعات الصغيرة ممن يطلق عليهم البرجوازية الصغيرة لابد وان يكونوا هم اصحاب السلطة لكي يغيروا القوانين البغيضة التي شرعها الملاك والتي تسببت في ضياع حقوق اصحاب هذه الطبقة من الفقراء والاجراء والعمال وهنا كانت الالة الثقافية سواء كانت المناهج الدراسية او اماكن الاحتفالات او مواقع العمل بمختلف مواقعها ترفع شعارات الجمهورية السوفيتيه.
في رأيي أن مصر ليست حالة مختلفة عن كل مما سبق حيث ان الشعب بكل طوائفه عانى من استخدام الدين لتحقيق ملذات المتاسلمين وكادت تسرق منه دولته ولذلك انتخب الرئيس السيسي الذي انتخب من شعب ثورة ٣٠ يونيو وهذا الشعب الذي رفض خداعة باسم الدين وثار عندما شعر بخطر حقيقي علي هويته المصرية وفوض وزير دفاعه الفريق السيسي حينها باستكمال الثورة ومواجهة جرائم الجماعة الارهابية. ورفع الشعب شعارات هامة مثل يسقط حكم المرشد واحرق مقر حزبهم في المقطم واغلبية الشعب اصبحت تصوت بقوة ضد الاحزاب الدينية وهذا ما يفسر ما حدث مع حزب النور في الانتخابات البرلمانية السابقة والتي سبقتها.
ولكن هناك اسئلة تدور في ذهني هل ذاكرة الشعب ستتذكر كل ذلك لسنوات ما لم يترسخ في عقولهم اهداف البرنامج الثقافي للجمهورية الجديدة؟ وثمة سؤال اخر مرتبط بهذه الاسئلة هل لو لم يتعلم اطفالنا اهمية تغليب العقل علي الخرافة واهمية التفكير النقدي وسيادة دولة القانون على الجميع حيث لا فرق بين جنس او دين او لون سيحافظون على كل هذه المكتسبات والاهداف في المستقبل؟
* علاء عصام، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.