علا مجد الدين تكتب | من أجل فشل زيكو !

0

لست من هواه مشاهدة الأفلام العربي، ونادرة هي الأفلام التي أعيد مشاهدتها كأفلام الخالد “أحمد زكي” وكذلك الأفلام من إخراج “يوسف شاهين” ، ولكن بحكم الأمومة تابعت مع ابنتي الصغيرة فيلم “من أجل زيكو” والذي عرض على شاشة روتانا سينم، سنوان بعد سنتين من عرضه على شاشات السينما في يناير ٢٠٢٢ وقد صممت ابنتي على تسجيل الفيلم – ككل الافلام التي تحوي طفلاً بين ابطالها – ، بالنسبة لي كان فيلماً كارثياً يحوي قنابل مدمرة للوعي الانساني ك 90% من الأفلام والمسلسلات العربية التي تعشق وعي الضحية عشقاً يصل حد التقديس بل وتحشو عقول المشاهدين ووجدانهم بدور الضحية العاجزة والمغلوبة على أمرها.
قبل أن أكتب لم يعتبر هذا الفيلم كارثياً ، كان علي البحث عن كيفية إستقبال الجمهور لهذا الفيلم ومن خلال المعجزة الانسانية الفريدة (جوجل) ، علمت أن الفيلم حقق إيرادات في مصر قدرت ب 28,551,645 جنيه مصري واحتل المرتبة الأولى لمدة شهر في المملكة العربية السعودية، وحقق إيرادات تجاوزت 11.08 مليون دولار ، كما حقق أكثر من 1,535,466 دولار في الإمارات العربية المتحدة.
وكانت الصدمة المتوقعة ، لقد أعجب المشاهدون بهذا العمل!
النجاح يكمن في “الغزالة رايقة” وهي الأغنية الدعائية لفيلم “من أجل زيكو” ، أغنية خفيفة ومبهجة من كلمات الشاعرة الغنائية منة القيعي، والملحن إيهاب عبد الواحد، وقد تم طرح الأغنية قبل إسبوع من عرض الفيلم وحققت تريند ونجاح ساحق في مصر والوطن العربي، حيث اقتربت من تحقيق 120 مليون مشاهدة ، واحتلت المركز الأول في قائمة الأغاني الأكثر رواجا وبحثا خلال عام 2022 على منصة جوجل وكانت سبب رئيسي فى الترويج للفيلم ، كما تم إستغلال الأغنية في أحداث العمل ،(وهو أكثر ما اعجب ابنتي الصغيرة ، بعد وجود طفل بين ابطال العمل).
إن سر نجاح أي عمل فني يكمن بالمقام الأول في فكرته والأصالة التي يولد بها.
فهل كانت فكرة الفيلم أصيلة و مخلوقة من إبداع كاتب الفيلم مصطفى حمدي؟
الإجابة بالطبع لا، فالفيلم مقتبس من الفيلم الأمريكي Little Miss Sunshine، الفائز بجائزة الأوسكار عن أفضل نص أصلي عام 2006،
بعد معالجة للقصة ليجعلها تمس المجتمع المصري والعربي بشكل عام، (وهنا تأتي المشكلة).
خطورة الفيلم على الوعي الجمعي
تحكي قصة الفيلم عن أسرة بائسة تسكن في شقة متواضعة بأسطح إحدى العمارات ، تتكون من أب يعمل سائقاً لسيارة دفن الموتى ، و أم تعد الوجبات الغذائية للسيدات الثريات ، و جد مصاب بالزهايمر وطفل وحيد يدعى زكريا ( زيكو) ،
وعم لص بلطجي .
ويستعرض لنا الفيلم حجم الصعوبات التي تقاسيها هذه الاسره من روتين حياة شديد الصعوبة يصل بالأم لطلب الطلاق عن زوجها .
ثم يتغير الحال بعد وصول خطاب يدعو “زيكو” للمشاركة في مسابقة لاختيار أذكي طفل في مصر ، على إعتبار أن زكريا هو واحد من أكثر ثلاث أطفال أذكياء على مستوى الجمهورية !
ويصدق الأبوان بسذاجة أن ابنهما يتمتع بعبقرية لم يلحظاها ! وأن الحكومة بالتأكيد تفهم أكثر منهم !
وهنا لا ادري بالتحديد من هو الساذج؟ ، أم أنها مراهنة على سذاجة المشاهد؟ . فكيف لأسرة هذا الطفل أن تعتقد بذكاء ابنها وهو بالتأكيد لم يظهر أي أمارات للتفوق الدراسي العادي ، ولم يولياه حتى القليل من الاهتمام في مسيرته التعليمية.
وبالعودة لأحداث الفيلم ، فقد بدأت الأسرة رحلة إلى واحة سيوة حيث تقام المسابقة ، وخلال هذه الرحلة تتعرض الاسرة للكثير من مواقف “الكوميديا السوداء” والتي تفضح حجم الفقر العقلي والمادي بل والأخلاقي لهذه الأسرة .
وعلى الرغم من تلقي الأبوين لمكالمة هاتفية مفادها أن إسم إبنهما قد أدرج في المسابقة عن طريق الخطأ فإن الاسرة تستمر في رحلتها و تصر على إلحاق الطفل بالمسابقة ( لأنها المرة الأولى التي تتاح لهم الفرصة في أن يحلموا !!!!!)
وهنا تظهر رسالة شديدة الخطورة في الفيلم ، فكيف لأي إنسان سوى أن يعيش بلا حلم ولا هدف يسعى لتحقيقه ويتوقع أن يعيش حياة تحمل بعضاً من النجاح والسعادة ؟!
كما أن هذه الرحلة لم تساعدهم على تغيير نظرتهم للحياة بعد المرور بمجموعة من المواقف ( وقد كان من الممكن إستغلال هذه المواقف لتحويل مسار هذه الاسرة إلى الأفضل )
و بعد أن تصل الاسرة لمقر المسابقة، وبعد إصرار لإلحاق ابنهما فيها لياً لذراع القائمين عليها بحجة أنهم لم يتحروا الدقة عند مراسلتهم ، يصابون بالصدمة عند بداية المسابقة وطرح الأسئلة بعد إتضاح الفارق بين مستوى ذكاء المتسابقين وابنهما !!!!
وهذا ما يدفع الأم للخروج من قاعة المسابقة والبكاء لاكتشافها أن ابنهما ليس عبقرياً !!!!
وهنا يجب أن أنوه أن أحداث الفيلم في المجمل تحوي الكثير من ( الصعبانيات) وهو مصطلح مصري يعنى رثاء الحال والانغماس في وعي الضحية، الذي يلقى باللوم على الظروف الخارجية ويحمل الجميع مسؤولية ما تعيشه هذه الاسرة؛ لكتسب تعاطف المشاهد و حقن يقين بداخله يؤكد أن الدولة أو المجتمع أو الآخر دائماً هو المسؤول عما يحدث لنا من أزمات ، متناسين أو منكرين أن كل إنسان مسؤول عن تغيير واقعة.
ينتهي الفيلم بأن يصر الطفل على الغناء لأنه لايفهم أسئلة المسابقة ، ويشدو ب”الغزالة رايقة” ، فينال إعجاب الجميع ويتحول إلى مطرب مشهور وتتحسن حياة أسرته ماديا.
وهي نهاية ترسخ لثقافة التريند ، و الخبطة التي تأتي فجأة بلا سعي ولا دراسة لتحول حياة صاحبها إلى نعيم ، وتعلي من قدر “الهشك بشك” على حساب العلم.
إن أكثر ما يثير إستيائي أن التاريخ العربي وحاضرة يحفل بآلاف النماذج لشخصيات (علمية وفنية ورياضية) عظيمة عاشت في ظروف شديدة القسوة ومع ذلك إستطاعوا بالعلم والعمل الجاد والمثابرة أن يخلقوا لأنفسهم واقعاً أفضل، ومع ذلك يصر صناع الأفلام والدراما على حقننا بهذه السموم الفكرية المدمرة، التي تجعلنا نتعاطف و نبارك ونحتفل بفشل زيكو وأسرته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.