علي المسعود يكتب | فيلم السباحتان .. الطموح والمثابرة والإلهام (٢-٢)
لا يتحدث الفيلم عن بطولة الفتاتين وحبهما للسباحة ، بل يجسد رحلة نحو المجهول ويكشف لنا الاهوال التي يجابها اللاجئون في البحث عن الأمن والسلام . وهنا تقدم لنا الحسيني من أكثر المشاهد المؤثرة والمعبرة في الفيلم على شواطئ اليونان في لقطة من الاعلى للشاطئ تغطية االآلاف من سترات النجاة للاجئين المحظوظين الذي عبروا ، انها صورة بألف معنى عن معاناة اللاجئين وقصصهم الماساوية . كان العداء تجاه اللاجئين واضحا منذ اللحظة التي دخلوا فيها إلى ليسبوس حين رفض بيع قنينة المياه لهم على الرغم من أن لديهم المال لدفع ثمنها. وأغلق السكان أبوابهم ونوافذهم على مرأى من اللاجئين . ولولا استقبالهم من قبل موظفوا اليونيسيف الذين سلموهم الضروريات من المأكل والملبس لكانت نهايتهم مؤكدة على هذه الجزيرة . اصبحت الآصرة قوية بين اللاجئين رغم اختلاف اللفات وألاوطان ونراهم متحدين . يكلموا اللاجئون رحلتهم كل ُ الى هدفه ، وبينما كان اللاجئون يسيرون على خطوط السكك الحديديةعرض عليهم رجل مساعدتهم على عبور الحدود المجرية بأمان. ولكن اتضح فيما بعد إنها كانت عملية احتيال ، اللاجئون هم هدف سهل للمحتالين لأنهم يدركون مدى يأس اللاجئين من عبور الحدود بأمان ولهذا فهم مستعدون لدفع أي مبلغ حين كانوا محاصرين في وسط غابة ويحاولون إيجاد مخرج. وصادفوا مهربا آخر عرض عليهم مساعدتهم في الوصول إلى المجر وعلى الفور وافقوا لعدم وجود بدائل .
أقام اللاجئون في مرآب بعد دخولهم المجر، حاول عامل المرآب الاعتداء الجنسي على يسرا . هاجمت سارة الرجل من الخلف وأنقذت شقيقتها ، هذه التجارب التي صادفوها خلال رحلتهم تركت تأثيرأ كبيراً على حياتهنّ . قررت يسرا عدم ركوب شاحنة للوصول إلى ألمانيا. أرادت أن تمشي مع آلاف اللاجئين الذين كانوا يسيرون إلى ألمانيا . وقالت إنها لا ترغب في الاعتماد على شخص آخر مرة أخرى. قررت سارة ونزار دعم قرار يسرا . لحسن الحظ ، تم إبلاغهم بالحافلة التي أرسلها الألمان لمساعدة اللاجئين الذين كانوا يسيرون إلى ألمانيا. وبينما كان نزار وسارة متحمسين لهذا الاحتمال اعتقدت يسرى أنه فخ . في نهاية المطاف، وافقوا على ركوب الحافلة . وأخيرا، بعد كل هذا النضال كانوا في ألمانيا.بعد الوصول إلى ألمانيا، تم تسجيل يسرا وسارة ونزار في مركز للاجئين . تحاول المخرجة الحسيني نقل صورة للواقع المأساوي للاجئين ، وانهم بشر ويحتاجون الى المساعدة وليسوا طفيليات ، وتظهر لنا طريقة التعامل البيروقراطي من قبل موظفي الهجرة بشكل واضح عند رفضهم طلب الشابتين بإحضار والديهما و أختهما الرضعية الى برلين .
في منتصف الفيلم، يتحول التركيز بعيدا عن دراما اللاجئين للتركيز على أحلام يسرا الأولمبية. عندما تشكل اللجنة الأولمبية الدولية فريقا للاجئين لألعاب 2016، يكون لدى يسرا فرصة للمنافسة وإحياء حلمها بعد أن كادت رحلتها أن تسحق روحها المعنوية . كانت مصممة على عدم التخلي عن حلمها بالذهاب إلى الألعاب الأولمبية. المدرب الالماني سفين ( ماتياس شفايغوفر ) لم يكن مهتما في البداية بادعاءات يسرا وقدراتها الرياضية ، ولكن عندما ذكرت البطولات التي شاركت بها والزمن الذي قطعته في تلك اللعبة . قرر المدرب الألماني منحها فرصة. وبالفعل أثبتت يسرى نفسها و أستمر سفين في تدريبها وتطوير قدراتها وأعجب بثقتها بنفسها . وعرض على الشقيقتين مكانا للإقامة للتركيز بشكل أفضل على مسيرتهما المهنية في السباحة. على جانت أخر، كانت حياة أبن العم نزار غير مسقرة ولازال بدون تصريح عمل ، ولذا فأنه يشعر مقيدا ولا يستطيع أن يعمل أي شيئاً ، لا يمكنه التقدم بطلب للحصول على عمل في أي مكان، ولهذا يتوجب عليه البقاء في مركز اللاجئين وتقاسم غرفة صغيرة مع خمسة أشخاص آخرين . بعد أن اكتشفت أن يسرا لم تعد قادرة على التقدم بطلب لم شمل الأسرة ، شعرت الأخت الكبرى سارة بالإحباط بعد أن كانت تخطط على أمل إحضار والديها وشقيقتها الصغرى بأمان إلى ألمانيا، و حين أدركت مدى صعوبة الوضع بالنسبة للاجئين وكيف أن لا أحد يهتم حقا بحالتهم حددت هدفها وهو مساعدتهم من خلال المساهمة مع المنظمات والجمعيات الانسانية التي تهتم بشؤون اللاجئين . وفي الوقت نفسه، زف المدرب سفين خبرا ساراّ للشابة يسرا هو تسجيلها في فريق اللاجئين الذي تم تشكيله لأولمبياد ريو ، جعل سارة تدرك لاحقا أهمية اغتنام هذه الفرصة التي أتيحت لها. وتدربوا لأيام وأسابيع حتى قدمت أفضل ما لديها في يوم من الأيام. وبينما كانت يسرى تستعد للذهاب إلى ريو، قطعت سارة شعرها وأصرت على العمل مع منظمة في ليسبوس توفر الضروريات الأساسية للاجئين . أرادت المشاركة بنشاط في المساعدة في تلك الأزمة. على الرغم من أنها أيضا كانت تبدأ حياة جديدة، إلا أن سارة أظهرت دعمها ليسرا من خلال السفر إلى ريو . كانت يسرا سعيدة في تحقيق حلم والدها ، كانت الأسرع في المجموعة وفازت بجدارة مما جعل المدرب الالماني سفين فخورا بها.
يستند فيلم “السباحتان” إلى أحداث واقعية ليسرامارديني وسارة مارديني. وتمكنت السيرة الذاتية الدرامية من توضيح الأزمة التي لا تزال الشقيقتان إلى جانب ملايين اللاجئين تعيشانها. تعمل الشابة يسرا البالغة من العمر 24 عاما الآن سفيرة للنوايا الحسنة للمفوضية وتعيش حاليا في هامبورغ ، وتواصل التفوق في رياضتها وهي مصدر إلهام وصوت للاجئين في جميع أنحاء العالم. وتمكن والداهما لاحقا من الفرار من سوريا ويعيشان الآن في ألمانيا . وفي الوقت نفسه، عملت سارة على إنقاذ اللاجئين في ليسبوس. في عام 2018، اتهمت سارة، إلى جانب زملائها، ب “تهريب البشر” مقابل المساعدة التي قدموها للاجئين. ويبدو إن التهم الموجهة إليها ذات دوافع سياسية ولا أساس لها من الصحة. وإذا ثبتت إدانة سارة فستواجه السجن لمدة 20 عاما .
حاولت المخرجة الحسيني مع الكاتب جاك ثورن أن يضعوا أمام المشاهد الاخطار والمصاعب التي واجهت الشقيقتان في رحلتهما ، وقسمت الفيلم الى ثلاث أجزاء ، الجزء الاول كانت أحداثه تدور في سوريا بعد اشتعال فتيل الحرب الاهلية ، والقسم الثاني هو رحلة الهروب واللجوء ، اما القسم الثالث تدور أحداثه في برلين وركز على المنافسة وتحقيق الحلم والوصول الى أولمبياد ريودي جانيرو . مثل شخصية يسرى وسارة كلاً من الشقيقتين ناتالي ومنال عيسى ولكونهما أخوات يضيف هذا صدقاّ وعاطفة في ألاداء ، يشاركهما الفنان الألماني ماتياس شوايغوفار، الفنان المصري أحمد مالك، والفنانة السورية كندة علوش، والفلسطيني على سليمان، وعدد آخر من الفنانين . بالرغم من الفيلم يتناول حكاية السباحتان ورحلتهما الوعرة ، لكنه يكشف لنا الازمة الانسانية للمهاجرين الين ارغموا على ترك بلدانهم بسبب الحروب والدمار . قدمت لنا المخرجة سالي الحسيني مشاهد مذهلة ، مثلاّ ، مشهد للشابتين يسرا وسالي في سوريا وهما يرقصان على سطح المنزل ، في حين تظهر خلفها الانفجارات ونسمع اصوات الرصاص . صور الفيلم في جميع أنحاء تركيا وبلجيكا وإنجلترا واليونان والبرازيل وألمانيا ، وبشكل أكثر تحديدا في إسطنبول ومنطقة بحر إيجة وبروكسل ولندن وليسبوس وريو دي جانيرو وبرلين ودمشق .