اليوم، ولأسباب لا نستطيع الجزم بها، أصبح العزوف عن القراءة، ظاهرة شائعة تتفوق على مواضيع كانت مألوفة ومليئة بالفائدة. لكن هذه المواضيع باتت الآن خارج اهتمامات الكثيرين. أسباب كثيرة، تساهم في هذا الأمر، ولا يمكننا تعريفها بشكل قاطع، لكننا نحاول تخمين بعضها من واقع حياتنا وتجاربنا اليومية.
من أسباب العزوف عن القراءة: عدم القناعة بجودة المؤلفات أو المؤلفين، فأحيانًا، لا توجد قناعة لدى القارئ بجودة المؤلفات، وأحيانًا أخرى لا يثق القارئ بالمؤلفين. لكن هذا السبب قد لا يتناسب مع مجتمعنا، حيث يوجد الكثير من الأقلام الممتازة في مختلف المجالات. ومع ذلك، هناك سبب أكبر، قد يكمن في هذا الأمر: الوسط الثقافي معزول أو بعيد عن المجتمع، الذي ينتمي إليه. لذا، لا يوجد تأثير ثقافي مباشر يمس المجتمع ويدفعه للقراءة.
من الأسباب كذلك ضعف المؤسسات الثقافية، والتي مفترض أن تروج للكتب بشكل مؤثر. الكاتب وحده هو الذي يتحمل عبء الترويج لعمله، بينما العمل المؤسسي، يمكن أن يحقق نتائج أفضل بكثير. فالمؤسسات الإعلامية والثقافية لها جمهورها، كما أن لديها القدرة على تحليل الكتب وإبراز مزاياها، التي قد لا ينتبه لها القارئ من الوهلة الأولى.
النقد هو عملية تقييم فني ومهني لأي كتاب يُصدر، ويمكن أن يمنحنا دافعًا لقراءته أو العزوف عنه. الندوات والمقابلات والحوارات، التي يجريها المثقفون حول كتاب معين، تلعب دورًا كبيرًا في تشجيع المجتمع على القراءة. لكن للأسف، هناك قصور كبير في هذا الجانب، خاصة في استخدام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي.
لا ينبغي أن تقتصر دور النشر على الطباعة والتسويق فقط، بل يجب أن تتبنى الأقلام الناشئة، وتنتج المؤلفين، مع الحرص على جودة المؤلفات. إذا اقتصر عمل دور النشر على الطباعة فقط، تفقد قيمتها، ويصبح تأثير الكتب على القارئ محدودًا.
تشجع المغريات الكثيرة في المجتمع على اللهو بدلاً من القراءة، خاصة بين جيل الشباب، الذي أصبح يتأثر بشكل كبير بوسائل الترفيه الحديثة. ضعف دور الأسرة والمؤسسات التربوية في تعزيز قيمة القراءة، جعل الترف المادي، يسيطر على نمط حياة الشباب.
هناك اعتقاد خاطئ بأن نسبة القراءة تُقاس بمبيعات الكتب. لكن الحقيقة أن الكثير من الكتب، تُنشر على الإنترنت مجانًا، ولها جمهورها، الذي يقرأها. هذه الفئة لا تدخل ضمن القياسات التقليدية. إذا نظرنا إلى مواقع، مثل “جوجل درايف”، ومواقع أخرى تقدم الكتب المجانية، سنجد أن نسبة المشاهدات جيدة، رغم أنها لا تقارن بمشاهدة الأفلام أو الاستماع للأغاني.
من الحلول المقترحة، انفتاح المثقفين على المجتمع: يجب أن يقتحم المثقفون المجتمع بدلاً من انتظار أن يلتفت لهم دون أي جهد. الثقافة والقراءة، لا يمكن أن تتولد الرغبة فيهما إذا ظلت محصورة في أماكن مغلقة. يجب أن يسعى الوسط الثقافي للتأثير في المجتمع، وبناء هويته الثقافية، ودفعه نحو المفيد.
توظيف وسائل الترفيه في الترويج للقراءة، فوسائل الترفيه على الإنترنت، يمكن أن تكون أداة لتعزيز القراءة بدلا من أن تكون بديلا عنها. يجب أن تعمل المؤسسات الثقافية على تطوير برامج توعوية لإعادة جمهور القراء إلى حقول الكتب والمجلات الثقافية.
لا ضير في اعتماد الكتب الإلكترونية إلى جانب الكتب الورقية. المهم أن يعود القارئ، الذي افتقدته الكتب والمؤلفات، سواء كان ذلك عبر الورق أو الشاشات.
العزوف عن القراءة، مشكلة، تتطلب تعاونًا بين المثقفين، والمؤسسات الثقافية، ودور النشر. العودة إلى القراءة، ليست مجرد هدف فردي، بل هي جزء من بناء مجتمع واعٍ ومثقف قادر على مواجهة تحديات العصر.