علي هلال يكتب | الإجراءات الجنائية إلى أين؟

0

بعد مرور ما يقارب الخمسة وستون عامًا على إصدار أول قانون للإجراءات الجنائية المصري ، وبالرغم من كثرة الأحداث والمتغيرات السياسية التي كانت ومازالت تطلب التغيير الحقيقي لقانون الإجراءات الجنائية ، وهو ما تنبهت له الدولة المصرية خلال الفترة الاخيرة وتم تشكيل لجنة من كافة الطوائف القانونية والحقوقية بالمجتمع لإعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية ، ومن هنا تباينت الاراء حول المشروع الجديد للقانون حول المؤيد والمعارض والمُتحفظ ، وهو الأمر الذي اثار مجموعة من التساؤلات حول.

ما هو سقف الحريات المطلوب بالجمهورية الجديدة؟ وما هي المشكلات العملية والفعلية التي تواجه القانونيين والحقوقين في هذا الشأن؟ وما هي الإجراءات المطلوبة لتحقيق منظومة عدالة جنائية حقيقة؟

خمسة وستون عامًا على إصدار أول قانون للإجراءات الجنائية المصري والعديد من التعديلات التي تم إدخالها على نصوص مواد القانون وهو الذي جعل القانون يتسم بالعوار الحقيقي وفقدان لقيمته الحقيقة بل وأصبح القانون في وضعه الحالي بكل اسف يتسم بإهدار الحقوق والحريات وإهدار لعدالة المحاكمات ، وهو الأمر الذي تنبهت له الدولة المصرية وقامت بطرحه على طاولة الحوار الوطني منذ أكثر من عام ، وتشكيل لجنة متنوعة من كافة الجهات المعنية بهذا الأمر للعمل على صياغة قانون جديد للإجراءات الجنائية ، ومع وصول عمل اللجنة للمحطات الاخيرة من صياغة القانون وتناوله للعرض والمناقشة إعلامياً يتضح للجميع تفاوت الاراء حول هذا المشروع.

بينما تؤكد الحكومة حرصها على رفع سقف الحريات الذي تدني بشكل كبير خلال الفترات الماضية لأسباب كثيرة على رأسها مكافحة الإرهاب والتطرف، إلا أن هذه المزاعم الحكومية حتى الان لم تؤتي ثمار حقيقية حيث تظل معاناة المجتمع القانوني والحقوقي في مصر قائمة دون جدوى ، وعلى صعيد اخر قامت القيادة السياسية بإستخدام صلاحياتها الدستورية بالإفراج عن عدد كبير جداً من المحبوسين على ذمة قضايا قد تكون سياسية أو مرتبطة بحرية الرأي والتعبير وهو الأمر الذي يؤكد بشكل واضح لا لبس فيه إيمان القيادة السياسية لإفساح المجال العام نحو مزيد من الحريات والشاهد على هذا أن رئيس الجمهورية الحالي هو الأكثر إستخداماً لصلاحياته الدستورية في الإفراج عن المحبوسين والدلالة على  ذلك هو إيمانه الراسخ بقيمة الحريات العامة والممارسة الامنة للعمل العام والسياسي.

لما كان الأمر كذلك وبإستعراض المشهد كاملاً مشمول بالنزاهة والشفافية يتضح لنا أن المعاناة الحقيقة ليست فقط في مجرد إدخال بعض التعديلات التي من شأنها تقليل مدد الحبس الإحتياطي وإنما الأمر يتطلب صياغة القانون بشكل كامل ليكون وحدة واحدة ونصوصه مكملة لبعضها البعض وهو الأمر الذي قد يكون مفقود إلى حد كبير في المشروع المعروض على مجلس النواب حالياً ، حيث أن المشكلات العملية في الإجراءات الجنائية تتمحور من البداية حول إجراءات جمع الإستدلالات مروراً بمرحلة التحقيقات أمام النيابة العامة وصولاً إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات، ويستظهر لنا من خلال النظر على هذه المراحل أن المشكلات الحقيقة التي تواجه المتقاضين والمحامين والقانونيين والحقوقين لم يعالجها مشروع القانون الحالي وإنما هذه التعديلات ينطبق عليها القول بأنه مشروع في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب ، حيث أن هذه التعديلات حملت بين طياتها إهدار جزئي لحق أصيل من حقوق الإنسان المنصوص عليها دستورياً إلا وهو حق الدفاع حيث حملت هذه التعديلات بين طياتها إنتقاص كبير من دور المحامين في التحقيقات أمام النيابة العامة وأمام محكمة الجنايات وهو الأمر الذى جعل الكثير من المحامين يبدي إعتراضات وجيهة على هذه التعديلات التي قد تتسم بعدم الدستورية.

إن أحد المعايير الرئيسية لقياس تقدم الدول هي الحريات العامة وإنفاذ منظومة العدالة الجنائية وكفالة حق الدفاع وهو الأمر الذي كفله الدستور وفقاً لنص المادة ٩٨، ومابين كل ما تم ذكره تظل الإرادة الحقيقة لدى الشعب والقيادة السياسية والنواب والحكومة هي المحرك الرئيسي لتحقيق المزيد من العدالة الجنائية والمزيد من الحريات العامة وهو الأمر الذي لا شك فيه أن الجميع يسعى جاهداً نحو تحقيقه. وأخيرًا رسالة إلى الكافة: إن الجدية في هذا الأمر أصبحت واجب وطني والحفاظ عليها حق دستوري وبناء عليه رجاء إلى كل من يهمه الأمر إن صياغة قانون إجراءات جنائية يحقق العدالة يعد أحد الركائز الرئيسية للجمهورية الجديدة فإما أن نحارب من أجله وإما أن نهدره ونهدر معه حلم الجمهورية الجديدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.