عماد رؤوف يكتب | ديناصورات العصر الرقمي
نعيش الآن بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين في ظل الثورة الصناعية الرابعة فيما يسمي عصر المعلومات، والذي تقوده التطورات السريعة في التكنولوجيا ووسائل الاتصال، ولا نستطيع أن نغفل أن تطور التكنولوجيات الحديثة مثل البلوكشين (Blockchain) والذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) وإنترنت الأشياء (IoT) والأمن السيبراني (Cyber security) والتكنولوجيا الحيوية (Biotechnology) سوف يؤثر بالضرورة على الطريقة التي تعودنا أن نعيش ونعمل ونتفاعل بها مع محيطنا ومجتمعاتنا.
هذه التطورات خلقت فرص وتحديات للأفراد والشركات والحكومات على حد سواء، وظهر مفهوم التحول الرقمي ليعبر عن عملية انتقال الشركات والقطاعات الحكومية إلى نماذج عمل تعتمد على التقنيات الرقمية في ابتكار السلع والخدمات وتوفير قنوات جديدة من العائدات. وهو ما سيؤدي بالضرورة لاختصار الوقت وتحقيق مرونة أكبر وزيادة كفاءة العمليات الإنتاجية والخدمية وقدرة كبيرة في معالجة البيانات بواسطة الذكاء الاصطناعي وهو ما سيؤدي بدوره لحدوث تطورات غير مسبوقة في الاقتصاد وسوق العمل والقطاع الحكومي، فالتحول الرقمي واحد من أهم دوافع ومحفزات النمو في كبري الشركات والدوائر الحكومية بل وأصبح ضمانًا للاستمرارية في دائرة المنافسة وتحقيق التنمية المستدامة.
بالرغم من ذلك فإن معظم الحكومات تتخلف عن عالم الشركات في تسخير القوة الرقمية، وهو ما دفع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) لتشبيه الحكومات بالديناصورات في العصر الرقمي، بطيئة في اتخاذ القرارات وثقيلة تحت أعباء البيروقراطية وقد عفا الزمن عن الطريقة التي تعمل بها، ليس هذا فحسب بل أيضًا يشير مؤشر الجاهزية في ذات التقرير إلى الفجوة التي تتسع يومًا بعد يوم بين النمو في استخدام التكنولوجيا للأفراد ومشاركة الحكومات في الاقتصاد الرقمي.
لبناء قطاع حكومي مناسب للمستقبل، يجب علي الحكومة إعادة اختراع نفسها، فقد كان أينشتاين محقًا حينما قال: “لا يمكننا حل المشكلات باستخدام طريقة التفكير نفسها التي استخدمناها عندما أوجدناها”، ولهذا فمحاولات “رقمنة” البيروقراطية الحكومية بالطرق ذاتها والإجراءات الحالية، لن يرفع مستوي كفاءة العمليات الحكومية ولن يحد من الفساد ولن يسد الفجوة بين المواطن والحكومة ولن يحل مشكلاتنا بل بالعكس سيخلق مشكلات جديدة، حيث لم تعد الأساليب التي استخدمناها سابقًا لحل العديد من المشكلات التي نواجهها فعالة، ولهذا نحتاج إلي تطوير طرق تفكير جديدة من أجل تصميم حلول وخدمات وتجارب أفضل تحل مشكلاتنا الحالية.
يجب أن نخطو نحو التفكير في استخدام منهج جريء منظم حديث ديناميكي يركز على المواطن، هذا فحسب هو ما سوف يساعدنا على إحداث تغيير جذري في كيفية معالجة المشكلات، وإيجاد حلول لها. فالتحول الرقمي لا يتعلق باستخدام التكنولوجيا الحديثة فحسب، بل يتطلب أيضا إصلاحًا شاملًا للهياكل التنظيمية وإدارة العمليات وتطبيق الحوكمة وتغيير الثقافة والعقلية. وتحقيق رؤية أوسع للعلاقات ونماذج الأعمال لإعادة تصميم كيفية عمل الخدمات العامة ليكون محورها “المواطن أولًا” عندها فقط تستطيع الحكومة التأقلم مع التغيرات السريعة وتحصل على الفائدة التي يمكن أن يحققها التطور الرقمي للأفراد والمجتمع، ولا ينتهي بها الحال مثل الديناصورات في العصر الرقمي.