عمرو البنا يكتب | تحرير سيناء بين البندقية والدبلوماسية

0

في 25 إبريل من كل عام يتجدد الاحتفال بتحرير سيناء تلك الأرض التي لم تكن مجرد صحراء أو رقعة على‌
الخريطة بل كانت شاهدًا على أكثر اللحظات هشاشة وقوة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة فإن تحرير‌
سيناء لم يكن نصرًا عسكريًا فقط، بل كان مشروعًا وطنيًا متكاملًا بدأت فصوله بالدم وانتهت بالعقل وما‌
زالت فصوله تُكتب بالتنمية.
فبعد نكسة يونيو 1967 لم تكن مصر قد فقدت الأرض فقط بل كادت أن تفقد الثقة لكن ما بين الهزيمة‌
والنصر كانت هناك محطة فاصلة وهي حرب الاستنزاف التي أعادت بناء الجيش والإرادة معًا وفي السادس‌
من أكتوبر 1973 حطم الجنود المصريون أسطورة “خط بارليف” وكتبوا أول سطر في ملحمة تحرير‌
سيناء
لكن النصر لم يكن صنيعة الجيش وحده بل كان الشعب المصري بكل أطيافه هو الجندي المجهول في هذه‌
المعركة الطويلة فقد دفع آلاف من أبنائه أرواحهم في ميادين القتال وتحملت أسرٌ كثيرة ألم الفقد بصبرٍ‌
وعزيمة ولم يكن الأمر مجرد مواجهة عسكرية بل كان صمود شعب اختبر الحصار وواجه القصف وتحمل‌
سنوات من التقشف والألم من أجل لحظة الكرامة
فمن الفلاحين الذين تبرعوا بذهب زوجاتهم لبناء الجيش إلى عمال المصانع الذين عملوا ليل نهار لتوفير‌
احتياجات الجبهة إلى الطلاب الذين التحقوا بالتجنيد وهم يحملون كتبهم وأحلامهم كل هؤلاء كتبوا صفحات‌
ناصعة من البطولة في خلفية المشهد العسكري والدبلوماسي في مشهد ملحمي متكامل الأركان‌
وهنا بدأت الدبلوماسية تكمل ما بدأته البنادق حيث انتهت الحرب بوقف إطلاق النارلكن الصراع لم يتوقف‌
فبدأت مرحلة التفاوض الشاق بداية من اتفاقيات فض الاشتباك ثم اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 التي مهدت‌
الطريق لانسحاب إسرائيلي كامل من سيناء غير أن آخر قطعة – طابا – لم تعد بالقوة بل بالتحكيم الدولي في‌
معركة قانونية استمرت حتى عام 1989 وانتهت برفع العلم المصري كاملًا على الأرض المصرية.
والاحتفال بالتحرير لا يجب أن يكون فقط لحظة عاطفية أو مراسم بروتوكولية فالقيمة الحقيقية لهذا اليوم‌
تكمن في تحوّله إلى لحظة وعي وتجديد للعهد ودفعة جديدة نحو مستقبل يليق بتلك التضحيات فسيناء ما زالت‌
بحاجة إلى أن تُحرر من الإهمال ومن التطرف ومن الفقر ومن النظرة المركزية.
قد يرى البعض من الشباب أن معارك هذا الجيل لا تُقارن بما سبق لكنها في حقيقتها أكثر تعقيدًا فإن معركة‌
الوعي في زمن الفوضى المعلوماتية ومعركة التنمية في أرضٍ قُدّمت فيها أرواح ومعركة الحفاظ على‌
السيادة في زمن الاقتصاد العابر للحدود لا تقل شراسة عن معارك التحرير.

فسيناء ليست فقط قصة أرض تحررت بل مشروع يجب أن يُستكمل مشروع يبدأ من الاستثمار في الإنسان‌
والتعليم والبنية التحتية وفي رؤية متكاملة تُدرك أن الأمن لا يُبنى بالسلاح وحده بل بالعدالة والتنمية‌
والدمج الكامل لهذه البقعة في قلب الوطن.
وفي النهاية يجب التأكيد على أن تحرير سيناء لم يكن مجرد استعادة ترابية بل استعادة لمفهوم الدولة القوية‌
القادرة على حماية حقوقها بكافة الوسائل وبين جيل قاتل ليسترد الأرض وجيل يعيش في ظل تلك الراية تظل‌
المسؤولية مشتركة للحفاظ على ما تم استرداده وأن نكمل البناء لا بالحنين بل بالفعل والعمل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.