عمرو نبيل يكتب | الأكاديمي” و”التنفيذي” و”السياسي”.. تكامل لا تطابق

0

عقب ثبات عميق وجمود دام لسنين في حركة تولي المناصب العامة، جاءت ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو لتحرك بمنتهى القوة المياه الراكدة، وبنظرة سريعة للوحة أي وزارة التي تتضمن صور وأسماء الوزراء وسنوات عملهم بها، سنجد أن عدد الصور في سنة واحدة بعد 2011 يفوق عدد الصور في سنوات طويلة قبل 2011.

بعيدًا عن بطء وسرعة حركة التغيير هذه، فإن الأمر الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بنوعية هذا التغيير، فلقد أفرز الحراك العام الذي سبق 2011 العديد من الرموز التي كانت لها أطروحات إصلاحية حظيت بشعبية بين النخبة المصرية، ولكن عندما أتيحت الفرصة لبعض هذه الرموز عقب 30 يونيو لتولي العديد من المناصب العامة، لم يتمكنوا من وضع أطروحاتهم النظرية موضع التنفيذ العملي، وذلك لأسباب عديدة بعضها يرجع لأسباب مؤسسية وبعضها يرجع لإرث سابق وتراكم للتحديات.
هذه الإشكالية أثارت تساؤلًا مهمًا بشأن جدارات شغل المنصب العام، البعض يرجح كفة الخلفية العلمية والأكاديمية باعتبار العلم والمعرفة أساس التنمية، والبعض يرجح كفة القدرات التنفيذية لأهمية الإحاطة بالتحديات الواقعية والثقافية المحلية وسبل التعامل معها، والبعض الآخر يرجح كافة الحس السياسي لأن فن التعامل مع الجماهير وكسب تأييدهم للسياسات التنموية هو جوهر نجاحها.
الحقيقة أنه لا يمكن إنكار أهمية الجدارات العلمية ولا التنفيذية ولا الحس السياسي بالنسبة لشاغلي المناصب العامة، فالقضية هنا ليست الترجيح والمفاضلة وإنما التكامل، فحتى وإن تفاوتت نسب هذه الجدارات بالنسبة للأشخاص فإن الإطار المؤسسي والعمل الجماعي يحقق التكامل بينها.
نماذج القيادة للشخصيات التي تولت مناصب عامة ونجحت في الإصلاح هي نماذج متعددة الخلفيات، بعضها جاء من خلفية أكاديمية وتخصص علمي، وبعضها جاء من خلفية تنفيذية راكمت خبرات من العمل داخل المؤسسات الخاصة منها والعامة، والبعض الآخر جاء من خلفية سياسية وتدرج في العمل السياسي وأتقن فن التعامل مع الجماهير وحشد تأييدها.
الخلفية الأكاديمية ترشح صاحبها للمناصب الاستشارية والفنية، لتقديم الرأي العلمي وأفضل الممارسات ذات الصلة بصنع السياسات، والخلفية التنفيذية ترشح صاحبها للقيادة الإدارية والعمل على تقوية المؤسسات، لجعلها أكثر قدرة على تنفيذ السياسات والتعامل مع التحديات، أما الخلفية السياسية فترشح للمناصب السياسية التي يتحمل صاحبها مسئولية نتائج صنع وتنفيذ السياسات أمام الجماهير ويكون المسئول الأول والأخير، وهو ما يدفعه لاختيار أبرز الكفاءات الأكاديمية والتنفيذية للعمل معه.
إذا كانت الجامعات تصنع القيادات العلمية، والمؤسسات الخاصة والعامة تصنع القيادات التنفيذية، فإن الأحزاب السياسية هي المصنع التقليدي للقيادات السياسية سواء القادمة من خلفية أكاديمية أو خلفية تنفيذية، حيث تدفع الأحزاب كوادرها للاحتكاك بالمواطنين ومشكلاتهم وتطلعاتهم والبحث عن أسباب تحديات الواقع وسبل مواجهتها، فيتدرج الكادر السياسي من العمل على مستوى القرية والشياخة في الملفات المختلفة من صحة وتعليم وبنية تحتية وطرق ونقل وإسكان عمل وتأمينات حتى العمل على مستوى الدولة.
السياسي بعكس الأكاديمي والتنفيذي ينتخب ولا يعين، فتأتي به الجماهير وتحاسبه، السياسي يطرح برامج يزعم أن تنفيذها سيحقق للمواطن أهدافه المعيشية والوطنية، هذه البرامج تحتاج الخبرات العلمية لصياغتها والخبرات الإدارية لتنفيذها والخبرات السياسية لمخاطبة الجماهير بشأنها، والكيانات السياسية تعمل على حشد الجهود العلمية والتنفيذية والسياسية تحت مظلة وطنية لصياغة برامج تنموية إصلاحية، والمنافسة السياسية بين البرامج الوطنية تمد الدولة بأفضل السياسات وتحشد لها الإمكانات، وذلك في إطار مشاركة شعبية داعمة للجهود الوطنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.