عمرو نبيل يكتب | “الليبرالية” بحاجة لـ “الهوية الوطنية”

0

في ظل بدء انعقاد الحوار السياسي بين القوى الوطنية لتدشين “الجمهورية الجديدة” فإن قضية “الهوية الوطنية” تكون محورية وذات أولوية. وطالما ما أشتد الجدل السياسي، وما يزال، بين الليبرالية من جهة وبين الأمة والهوية الوطنية من جهة أخرى.
في هذا الإطار، كان قد صدراً مؤخراً مؤلفاً غاية في الأهمية لـ “فرانسيس فوكوياما” بعنوان “الليبرالية وسخطها”، أكد فيه على أن الهوية الوطنية لا تتعارض مع الليبرالية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتشديده على أن الليبرالية بحاجة إلى هوية وطنية.
يرى فوكوياما إن طبيعة الليبرالية خلقت فراغًا روحيًا وإحساسًا ضعيفًا بالمجتمع وشجعت السعي غير الهادف للإشباع المادي للذات، وأن المجتمعات الليبرالية أصبحت تكافح لتقديم رؤية إيجابية للهوية الوطنية لمواطنيها، مقراً بصحة النقد المحافظ الموضوعي بأن المجتمعات الليبرالية لا توفر جوهرًا أخلاقيًا مشتركًا قويًا يمكن بناء المجتمع حوله. وأوضح أنه على الرغم من أن الاستقلالية هي قيمة ليبرالية أساسية، إلا أنها ليست الصالح الإنساني الوحيد الذي يتفوق تلقائيًا على كل الرؤى الأخرى لـ “الحياة الجيدة”، فالكثير من الناس يسعدون بالحد من حريتهم في الاختيار من خلال قبول الأطر الأخلاقية التي تربطهم بأشخاص آخرين أو بالعيش ضمن التقاليد الثقافية الموروثة. وأكد على أن المجتمعات الليبرالية الناجحة لها ثقافتها الخاصة وفهمها الخاص للحياة الجيدة، ولا يمكن أن يكونوا محايدين فيما يتعلق بالقيم الضرورية للحفاظ على أنفسهم كمجتمعات ليبرالية، وذلك لأنهم بحاجة لإعطاء الأولوية للروح العامة، فالمجتمع الذي يتألف من أفراد يتطلعون إلى الداخل ويهتمون فقط بتعظيم استهلاكهم الشخصي لن يكون مجتمعاً على الإطلاق.
أقر فوكوياما بأن النظرية الكامنة وراء الليبرالية تواجه صعوبات كبيرة في رسم حدود واضحة حول المجتمعات، وشرح ما هو مستحق للناس داخل وخارج تلك الحدود، وشدد على أنه من المهم للغاية لليبراليين عدم التخلي عن فكرة الأمة، وأن أهداف الليبرالية تتوافق تمامًا مع عالم مقسم إلى دول قومية. كما أقر بأن الحقوق الليبرالية لا معنى لها إذا لم يكن بالإمكان إنفاذها من قبل دولة، وأن جميع المجتمعات تحتاج إلى استخدام القوة، للحفاظ على النظام الداخلي وحماية نفسها من الأعداء الخارجيين، وأن المجتمع الليبرالي يقوم بذلك عن طريق إنشاء دولة قوية ثم تقييد سلطة الدولة في ظل حكم القانون، فسلطة الدولة تقوم على العقد الاجتماعي بين الأفراد المستقلين الذين يوافقون على التنازل عن بعض حقوقهم لفعل ما يحلو لهم مقابل حماية الدولة، ويتم إضفاء الشرعية عليها من خلال القبول المشترك للقانون والانتخابات الشعبية.
يرى فوكوياما إن الدول مهمة ليس فقط لأنها مركز القوة الشرعية وأدوات السيطرة على العنف، بل لأنها أيضا مصدر فريد للمجتمع، فبالنسبة لمعظم الناس حول العالم، تظل الدولة أكبر وحدة تضامن يشعرون بالولاء الغريزي لها، وأن هذا الولاء ركيزة أساسية لشرعية الدولة وقدرتها على الحكم. وحذر فوكوياما من أن ضعف الهوية الوطنية في المجتمعات يكون له عواقب وخيمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.