عمرو نبيل يكتب | فوبيا الانتخابات وأمان التعيينات

0

خلال جلسات “الحوار الوطني المصري” طُرحت للنقاش قضية محورية حول: أي الأنظمة أفضل لتولي المناصب العامة الانتخاب أم التعيين؟ وكان ملفتاً للنظر أن الغالبية تفضل نظام التعيين، وعند مناقشة الأمر اتضح أن السبب هو “الخوف” من ما قد تأتي به الصناديق الانتخابية، وبالتالي يكون نظام التعيين هو الخيار “الآمن” الذي يمكّن من اختيار ذوي الخبرات العملية والفهم بطبيعة الملفات وطريقة عمل المؤسسات، ويجنبنا إشكاليات المنظومة الانتخابية من تغليب المصالح الحزبية على المصلحة العامة، وانتشار ظاهرة المال السياسي وسماسرة الانتخابات، التي تتسبب في عزوف الكفاءات (التي سيتم تعيينها) عن الترشح في الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي المواطنين عن المشاركة الانتخابية لعدم كفاءة المرشحين.

وفي اعتقادي أنه مع الإقرار بإشكاليات وتحديات الانتخابات خاصةً الثقافية منها، إلا أن هذا الأمر يدعونا لبذل المزيد من الجهود لمواجهتها، لأن الاعتماد على التعيينات يعد استمراراً لسياسة المسكنات التي أدت لزلزال 25 يناير، ولعل أعظم دورس ثورة 25 يناير المجيدة أن الفعّالية السياسية تمثل قضية أمن قومي محورية، وغيابها قبل وبعد لحظة 25 يناير مَثَّلَ أكبر تهديد للأمن القومي المصري، واستمرار غيابها هو استمرار لذات التهديد، خاصة ًوأن أمان التعيينات زائف غير حقيقي لا يصنع استقراراً ولا يدعم تقدماً، فإشكالية التعيينات أنها تضع حمل المسئولية الوطنية الحالية وهي ضخمة واستثنائية على اكتاف عدد قليل جداً من المسئولين بدلاً من توزيعها على أكبر عدد ممكن، كما أنها تحرم صانع القرار الوطني من المشاركة وتعدد البدائل والحلول، وتفقد الاستراتيجيات التنموية والمشروعات القومية أهم مقومات النجاح والاستمرارية ألا وهي “الشعبية”.

فمنذ 25 يناير ومع كل استحقاق انتخابي يتأكد لنا أن ظاهرة “الفقر الانتخابي” التي يعاني منها الوطن كارثية على مستقبل “الجمهورية الجديدة” التنموي، وأن “التنمية السياسية” هي جوهر وقاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة المستدامة لأنها تمدها بقوة الدفع الشعبية، فأداء المعين الذي يتم تكليفه بمهام منصبه يختلف كليةً عن أداء المنتخب الذي وصل للمنصب عبر انتخابات تطلبت عرض برنامج انتخابي للتغلب على التحديات، انتخابات تجعله مسئول أمام المواطن الذي انتخبه وليس أمام من قام بتعيينه، فرقابة ومحاسبة المواطن أكثر قرباً وقوة واستمرارية ودورية مع كل استحقاق انتخابي، وفي النهاية فتحديات المنتخبين ستدفعهم للاستعانة بالخبراء الأكاديميين والتنفيذيين (تعيين) طلباً للبدائل والحلول الواقعية، فيتكامل العمل الوطني ويزداد مشاركةً وجماعيةً (تقوي الأحزاب السياسية) وشعبيةً، أما اخفاقات المنتخبين المحتملة لقلة خبراتهم فهي شر لابد منه سيتعلم منها من بعدهم فيتحقق بالتراكم النضج السياسي، فعلاج تجريف الحياة السياسية لعقود سيتطلب سنوات باتت لا تحتمل التأجيل.

فطرفي العملية الانتخابية ناخب ومرشح وضمانها الحيادية في إدارتها والإشراف عليها، وبالنظر لضخامة عدد المناصب السياسية التي تحتاجها الدولة المصرية يتضح لنا حجم ظاهرة “الفقر الانتخابي”، فنحن بحاجة لأكثر من 50 ألف عضو مجلس محلي فضلاً عن المناصب التنفيذية المحلية، وما يقترب من 1000 عضو برلمان، وما يزيد عن 35 وزيراً، وحوالي 27 محافظاً (قابلة للزيادة مع تعديلات التقسيم الإداري المنتظرة)، فضلاً عن مساعدي الوزاراء والمحافظين والبرلمانيين وأعضاء مكاتبهم، وإذا تطلب كل منصب سياسي 5 مرشحين للتنافس عليه على أقل تقدير فإننا نكون بحاجة إلى قاعدة سياسية وطنية تتعدى 250 ألف سياسي على كافة المستويات، هذه القاعدة ستمثل حائط الصد الأول للتصدي لتهديدات أمن مصر القومي والتحديات التنموية.

وعند الحديث عن هذه القاعد السياسية الوطنية يطالب الكثير بالإعداد والتأهيل السياسي قبل التوسع في الاعتماد على نظام الانتخابات لضمان جودة مخرجات العملية الانتخابية، ولا خلاف على أهمية “التأهيل السياسي” ولكن ينبغي الوعي بأن “السياسي” أولاً ثم “التأهيل” ثانياً، بمعنى أن التأهيل لا يصنع سياسياً وإنما يساعد ويدعم السياسي، وبالتالي ينبغي للتأهيل استهداف “المواهب السياسية” وهي موجودة بالفعل ومتجذرة في الشارع المصري، ولكنها تحتاج إلى الثقة في العمل السياسي والأحزاب السياسية التي ستكتشفها وتقدم لها التأهيل السياسي، وهو ما يتطلب التوسع في تفعيل ساحات العمل السياسي التي ستظهر هذه “المواهب السياسية” في الجامعات ومراكز الشباب والنقابات والمحليات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.