عمرو نبيل يكتب | متى ينجح الحوار الوطني؟
فتحت ثورتي 25 يناير و 30 يونيو لشعب مصر الباب على مصراعيه للمشاركة الواسعة في الشأن العام، وإقرار دستوره واختيار رئيسه وأعضاء برلمانه، غير أن هذه المشاركة تزامنت مع عدم استقرار داخلي بسبب التداعيات الثورية ثم الأحداث الإرهابية، وعدم استقرار إقليمي لاستغلال قوى إقليمية للثورات العربية ما أدى لانقسامات داخلية ومواجهات مسلحة بين أبناء الوطن الواحد بالعديد من الدول المجاورة، وأزمات اقتصادية عالمية نتيجة لجائحة كورونا ثم الحرب الأوكرانية.
وتطلبت مواجهة هذه التحديات غير المسبوقة على كافة الأصعدة الداخلية والإقليمية والعالمية دعوة رئاسية لـ “حوار وطني مصري” لتدشين “جمهورية جديدة” قادرة على التعامل مع تحديات هذه الواقع الجديد داخلياً وإقليمياً وعالمياً. ومع انعقاد جلسات الحوار الوطني كان الإدراك العام لحجم هذه التحديات المحلية والإقليمية والعالمية سبباً في ما كشفت عنه “حالة الحوار” من “توافق وطني” على أهميتها وضرورة استمراريتها، مما يبشر بخلق “مساحة وطنية مشتركة” تمثل حجر أساس “الجمهورية الجديدة”.
غير أنه نظراً لشمول الحوار الوطني لكافة القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية، التي وصلت لـ 113 قضية، واتساعه لكافة القوى المجتمعية والأطياف السياسية الوطنية، فأن تساؤلاً مشروعاً يطرح نفسه ألا وهو: “متى ينجح الحوار الوطني؟”، وأهمية هذا السؤال تكمن في أنه يحدد لنا المخرجات التي ببلورتها يحقق الحوار أهدافه.
وبالعودة إلى الدعوة الرئاسية للحوار نجد أنها ربطت بينه وبين تدشين “الجمهورية الجديدة”، وبالتالي يمكننا جعل مدى القدرة على “بلورة نموذج الجمهورية الجديدة التنموي” معياراً لمدى نجاح الحوار الوطني، بحيث يكون هدف الحوار هو وضع “الجمهورية الجديدة” على مسار تنموي مستدام، مساراً قادراً على معالجة التحديات التي حالت دون اللحاق بركب التجارب التنموية الناجحة، بلورةً تستغل بداية مسار الحوار الوطني الشامل من أسفل بسماع آراء المواطنين في الشارع والشباب في الجامعات، ثم الانتقال لجلسات علنية تجمع الحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات والجامعات والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ثم المشاركة المنتظرة لرأس الدولة السيد رئيس الجمهورية.
بلورة نموذج تنموي يستوعب مستويات الحوار الرأسية التي تشمل مستوى مركزي يمثل التوجهات والسياسات العامة للدولة، ثم مستوى محلي للقضايا التنموية على مستوى أقاليم الدولة، ومستويات الحوار الأفقية التي تشمل المداخل المتعددة لمعالجة القضايا والسياسات كمستوى المؤسسات ذات الصلة بالقضية سواء كانت حكومية أو قطاع خاص أو تمثل أصحاب المصالح المختلفين كالنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وهو المستوى الذي يرفع واقع كل قضية وتحدياتها وأسبابها وتاريخها وبياناتها، والمستوى الأكاديمي الذي يقدم الأساس العلمي للقضية وأفضل التجارب والممارسات الدولية والتوصيات التي من شأنها معالجة تحدياتها، ثم المستوى السياسي الذي يصنع القرار بشأن القضية استناداً لواقعها والمفاضلة بين التوصيات العلمية بشأنها وفق الأولويات والتوازنات المختلفة الاقتصادية والمجتمعية.
إن وضع الإجابة على سؤال ماهية “النموذج التنموي للجمهورية الجديدة” هدفاً لمخرجات الحوار الوطني من شأنه أن يضع لقضايا الحوار الـ 113 إطاراً عاماً جامعاً للتكامل فيما بينها، ويمكّن من تقسيم الحوار لمراحل ومستويات أكثر تقدماً وأعمق تركيزاً على قضاياه، كما يمكننا من الاستفادة من النقاش العالمي الحالي حول النماذج التنموية ومدى قدرة كل منها على الصمود أمام التحديات العالمية الحالية.