غادة محفوظ تكتب | الديموقراطية في مهب الريح

0

على مدار الأعوام الأخيرة.. دار نقاش واسع بشأن مسألة تراجع الديمقراطية وانحسارها … بين خبراء العلوم السياسية. في موجة نقاش احسبها من أعتي موجاتها .. و جهات النظر .. وزوايا إقتراب وإبتعاد .. من نخب علماء السياسة .. و نجوم الصحافة .. وفصحاء المجتمع .. تجري وقائعاها علي صفحات الجرائد .. والإصدارات المتخصصة .. تعقد لها الندوات .. وحلقات النقاش .. وورش العمل .. تجاوزها إلي مواقع التواصل الاجتماعى.
يري المفكر “فوكوياما ” أن المسألة ليست تراجعا ..بقدر ما هي ضعف في أداء الحكومات المنتخبة،.. وعدم قدرتها على الاستجابة لمطالب ناخبيها…. وحجتهم في ذلك أن الطلب على الديمقراطية والحرية يتزايد،… خصوصا في بلدان العالم الثالث التي تعاني من أنظمة حكم .. توصف بالسلطوية، .. في كثير من الادبيات السياسية … والمشكلة في فشل الأنظمة الجديدة ..في تحقيق وعود الديمقراطية !!
لا يمكن والحرب الهمجية الإسرائيلية دائرة بعنفها علي قطاع غزة .. شهدت من مشاهد القتل وسفك الدماء لما يزيد عن خمسة عشر ألف فلسطينيا .. النسبة الاكبر منها من النساء والأاطفال والرضع .. والألاف مازالوا تحت الانقاض .. وثلاثة امثال العدد من المصابين .. نزوح وترويع لعشرات الالاف الفلسطينيين … هربا من هول القصف المروع ..تم فيها تدمير ما يزيد عن 60 % من البنية التحتية والفوقية للقطاع .. هدم للمنازل علي قاطنيها .. تدمير للمستشفيات علي مرضاها واطقمها الطبية … حرب تجويع وتشريد وترك مايزيد عن مليوني فلسطيني بلا ادني مقومات للحياة .. لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولاعلاج ولا وقود ولا طاقة .. ما لم يشهد له العالم مثيلا لاكثر من ثمانين عاما … ربما منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
كل هذا الخراب والدمار بدعم مادي ومعنوي وتأييد اعرق ديموقراطيات العالم وقلاع ايديولوجيتها الحصين .. في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا الغربية … التي لم يرمش لحكوماتها جفن من هول المشاهد … في اكبر تحد وانتهاك لحقوق الإنسان و المواثيق والقوانين التي توافق عليها العالم .. تحكم محظورات الصراعات بين الدول .. وتمنع الإعتداء علي المدنيين .. وتحمي حقوقهم الإنسانية.
لقد بات ضروريا ومنطقيا بعد هذه التجربة الأليمة … ان يضع مسألة ” القيم الديموقراطية ” لمزيد من النقاش بعد سقوط اكبر قلاعها في كل إختبار لها .. وفشلها امام كل تحد لقيمها الإنسانية … ولم تصمد امامه طويلًا!
من بين ما يمكن أن اراه من اول الأسباب التى لا يمكن استبعادها … أن ” الولايات المتحدة الامريكية ” كدولة عُظمي …كانت دائما هى القائدة لحزمة العولمة والديمقراطية والليبرالية .. ولا سيما بعد تصدرها المشهد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية … وخلال العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين …كانت واشنطن تعيش أولا أزمة اقتصادية طاحنة ..
. وثانيا كان عليها أن تفشل في في كل مواجهاتها بداية من الحرب الكورية خمسينات القرن الماضي .. إلي هزيمتها في فيتنام …نهاية بهزائمها فى أفغانستان و فى العراق، وفى الحرب ضد الإرهاب….. فلم تعد الولايات المتحدة الامريكية .. ما تصوره العالم الراعي الرسمي للقيم الديموقراطية والليبرالية ….قادرة لا على قيادة العالم الغربى .. ولا قيادة العالم … ومع غياب القيادة الأمريكية … بدا الأمر كما لو كان تغيرا فى ميزان القوى العالمى ..
إذن ما جدوى الدعوي والتماهي عن (قيم الديموقراطية الغربية) ….مادام ان هناك هوة عميقة تفصل بين (المثل المعلنة) .. والسلوك العدواني المطبق والممارس… من قبل الولايات المتحدة الامريكية واوروبا الغربية وصنيعتها “اسرائيل” !!!
ما يبدو إن الولايات المتحدة الامريكية والغرب .. تريد ان تحدد بمفردها معايير “الديموقراطية والحرب العادلة ” .. بما انها ليست قيما مطلقة .. لكنها تخضع للهوي والمنفعة … وان المنطق الذي يحكم سلوك الولايات المتحدة والغرب … يملي عليها ان تكون الاستثناء في كل ما يطبق على الامم الاخرى .. وابرز مثال اختراقات الولايات المتحدة الامريكية للقانون الدولي ..ومن المفارقة ان هذه الدولة (العظمى) ..ساهمت في ارسائه من دون ان يدرك احد … بانها ستكون الاستثناء
وولا يتها الواحدة والخمسين ” إسرائيل ” ….
ان أمريكا والديمقراطية ومع ربيبتها ” إسرائيل ” تأكد دون شك .. انهما شقان متعارضان ….فهي تنظر إلى نفسها كقوة مهيمنة …خاسر من يتحداها ..لأنها تستند الى القوة لا الى العدل .. وتستند الى العنف لا الى الديموقراطية .. وهاتان القوة والعنف تمارسهما باسم “الشرعية ” الدولية…
إن حرب غزة فضحت القيم الديمقراطية .. التي يسوقها الغرب …وأبانت عن ذهنية “الإرهاب” في الفكر والسياسة الامريكية.
هنا قد يكون من الأدعي .. أن نطرح للحوار والمناقشة المتمدمنة .. مفاهيم الديموقراطية والحرية .. ونخضع تجربتها .. للتحليل والنقد .. وتعدد الرأي والرؤي .. !!!
ربما يكون هناك نظاما اكثر تطورا … يعالج إخفاقات
وفشل الديمقراطية العالمية ….أمام دموع غزة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.