فاروق حسين أبو ضيف يكتب | الصعود الصيني وإفريقيا

0

مثلت القارة الإفريقية جزءًا من الاستراتيجية الصينية الطامحة نحو تعزيز انتشارها الخارجي في العديد من مناطق النفوذ حول العالم، فمنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية حرصت بكين على أن تضع لها قدمًا في إفريقيا، وحينها كان التركيز الأكبر لها على العلاقات السياسية وليس الاقتصادية، وتجلى ذلك بوضوح في اهتمامها بدعم حركات التحرر الإفريقية. وسعت بكين لتنويع أدواتها نفوذها داخل القارة الإفريقية بين الأداتين الاقتصادية والعسكرية، وهو ما منحها نفوذ قوى داخل القارة الإفريقية، لا سيما في ظل اتجاه التواجد الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالي، وتغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إفريقيا، وتراجع ترتيبها في أجندة أولوياتها في الوقت الحالي.
تأثر المصالح الروسية في إفريقيا في ظل العقوبات الغربية؛ تضمنت المصالح الروسية في إفريقيا شقيها العسكري والاقتصادي، فبالنسبة للجانب العسكري، فيبرز في التعاون العسكري مع دول غرب إفريقيا من خلال صفقات الأسلحة، والتواجد الروسي في كل من بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، بالإضافة لمبيعات الأسلحة الروسية في السوق الإفريقية التي بلغت نحو 37.6 وفقًا لإحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أما عن الجانب الاقتصادي فتضمن التعاون في مجال الطاقة، والمعادن النفيسة، وهو ما يشير إلى أن القارة الإفريقية تمثل السوق الفاعلة للجانب الروسي فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، بالإضافة للنفط والغاز الطبيعي، اليورانيوم وغيرها ، لذا فهي شريك واعد وجوهري في استراتيجية الدب الروسي، أما عن تأثر تلك المصالح بالعقوبات الغربية، فرغم عدم وجود بيانات تفيد بذلك حتى الآن، فمن غير المُرجَّح أن تتأثر تلك المصالح بتجميد الأموال الروسية أو حتى حظر النفط والغاز الروسي، والتقييد الغربي على الشركات الروسية المختلفة.
الصمت الصيني وعدم تصويتها ضد روسيا في مجلس الأمن؛ قد تعرض الصين للعديد من الضغوط الدولية جراء موقفها تجاه الأزمة الأوكرانية وعدم التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن لإنهاء الحرب، وقد تنتقل تلك الضغوط إلى مناطق النفوذ الصيني الرئيسية والمتمثلة في القارة الإفريقية، وذلك من خلال مزاحمتها اقتصاديًا من خلال الاستفادة من ثراء القارة النفطي، والمعدني، وتجاريًا من خلال التواجد بكثافة في السوق الإفريقية، والتعاون بين الدول الإفريقية الواعدة اقتصاديًا، وعلى رأس تلك الدول قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية أو دول أوروبا كفرنسا وغيرها.
وفي سياق الأزمة الأوكرانية، هناك منافسة أوروبية صينية في منطقة شمال إفريقيا؛ إذ تنظر دول أوروبا إلى المنطقة على أنها منطقة نفوذ، وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها التاريخية بالمنطقة لتحقيق السيطرة والنفوذ السياسي والاقتصادي، لا سيما وأن منطقة شمال إفريقيا ربما تحل لدول أوروبية معضلة الطاقة بعد الغزو الروسي لكييف، بالإضافة إلى أن المنطقة تشكل أهمية كبيرة للاستثمار في مجال الطاقة، وهو ما قد يتعارض مع مبادرة الحزام والطريق بمنطقة شمال إفريقيا.
وختامًا، تمتلك بكين فرصًا قوية لزيادة نفوذها داخل القارة الإفريقية، في ظل الحضور الاقتصادي البارز داخل القارة، في مقابل انحسار واضح للنفوذ الغربي. ومن المرجح أن يشكل الانسحاب الفرنسي من إفريقيا ضغطًا على عدة دول إفريقية، التي تسعى للبحث عن شركاء جُدد، لتعويض الفراغ الأمني ومن ثم إعادة خارطة القوى لصالح النفوذ الصيني والروسي باعتبارهم القوى الدولية التي تقدم بديلًا حقيقيًا للقيم الغربية.

* فاروق حسين أبو ضيف، باحث متخصص في الشئون الإفريقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.