فاروق حسين أبو ضيف يكتب | الصعود الصيني أفريقيا

0

مثلت القارة الأفريقية جزءًا من الاستراتيجية الصينية الطامحة نحو تعزيز انتشارها الخارجي في العديد من مناطق النفوذ حول العالم، فمنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية حرصت بكين على أن تضع لها قدمًا فى أفريقيا، وحينها كان التركيز الأكبر لها على العلاقات السياسية وليس الاقتصادية، وتجلى ذلك بوضوح في اهتمامها بدعم حركات التحرر الأفريقية. وسعت بكين لتنويع أدوات نفوذها داخل القارة الأفريقية بين الأداتين الاقتصادية والعسكرية، وهو ما منحها نفوذا قويا داخل القارة الأفريقية، لا سيما في ظل اتجاه التواجد الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالى، وتغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه أفريقيا، وتراجع ترتيبها في أجندة أولوياتها فى الوقت الحالى.
تأثر المصالح الروسية في أفريقيا في ظل العقوبات الغربية؛ تضمنت المصالح الروسية في أفريقيا شقيها العسكرى والاقتصادى، فبالنسبة للجانب العسكرى، فيبرز في التعاون العسكري مع دول غرب أفريقيا من خلال صفقات الأسلحة، والتواجد الروسي في كل من بوركينا فاسو، ومالى، وموريتانيا، بالإضافة لمبيعات الأسلحة الروسية في السوق الأفريقية التي بلغت نحو 37.6 مليار دولار، وفقًا لإحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أما عن الجانب الاقتصادى فتضمن التعاون في مجال الطاقة، والمعادن النفيسة، وهو ما يشير إلى أن القارة الأفريقية تمثل السوق الفاعل للجانب الروسي فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، بالإضافة للنفط والغاز الطبيعى، واليورانيوم وغيرها ، لذا فهي شريك واعد وجوهرى في استراتيجية الدب الروسى، أما عن تأثر تلك المصالح بالعقوبات الغربية، فرغم عدم وجود بيانات تفيد بذلك حتى الآن، فمن غير المُرجَّح أن تتأثر تلك المصالح بتجميد الأموال الروسية أو حتى حظر النفط والغاز الروسى، والتقييد الغربي على الشركات الروسية المختلفة.
الصمت الصيني وعدم تصويتها ضد روسيا في مجلس الأمن؛ قد يعرض الصين للعديد من الضغوط الدولية جراء موقفها تجاه الأزمة الأوكرانية وعدم التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن لإنهاء الحرب، وقد تنتقل تلك الضغوط إلى مناطق النفوذ الصيني الرئيسية والمتمثلة في القارة الأفريقية، وذلك من خلال مزاحمتها اقتصاديًا من خلال الاستفادة من ثراء القارة النفطى، والمعدنى، وتجاريًا من خلال التواجد بكثافة فى الأسواق الأفريقية، والتعاون بين الدول الأفريقية الواعدة اقتصاديًا، وعلى رأس تلك الدول قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية أو دول أوروبا كفرنسا وغيرها.
وفي سياق الأزمة الأوكرانية، هناك منافسة أوروبية صينية في منطقة شمال أفريقيا؛ إذ تنظر دول أوروبا إلى المنطقة على أنها منطقة نفوذ، وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها التاريخية بالمنطقة لتحقيق السيطرة والنفوذ السياسي والاقتصادى، لا سيما وأن منطقة شمال أفريقيا ربما تحل لدول أوروبية معضلة الطاقة بعد الغزو الروسي لكييف، بالإضافة إلى أن المنطقة تشكل أهمية كبيرة للاستثمار في مجال الطاقة، وهو ما قد يتعارض مع مبادرة الحزام والطريق بمنطقة شمال أفريقيا.
ختامًا، تمتلك بكين فرصًا قوية لزيادة نفوذها داخل القارة الأفريقية، في ظل الحضور الاقتصادى البارز داخل القارة، في مقابل انحسار واضح للنفوذ الغربى. ومن المرجح أن يشكل الانسحاب الفرنسى من أفريقيا ضغطًا على عدة دول أفريقية، والتي تسعى للبحث عن شركاء جُدد، لتعويض الفراغ الأمني ومن ثم إعادة خارطة القوى لصالح النفوذ الصينى والروسي باعتبارهما القوتين الدوليتين اللتين تقدمان بديلًا حقيقيًا للقيم الغربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.