فتحي البوكاري يكتب | أدب الطفل في العصر الرقمي (2-3)

0

في صناعة الكتب، يشكل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و12 عامًا فئة ديموغرافية خاصة منفصلة عن الشباب، والنوع الأدبي الذي يستهدفهم اصطُلِح على تسميته بأدب الأطفال، ويتضمن مجموعة متنوعة من الأشكال السردية مثل القصص والألبومات المصورة وروايات الأطفال والقصص المصورة، بالإضافة إلى القصائد والأناشيد. يهدف هذا الأدب إلى إيقاظ خيال الأطفال ونقل القيم الأخلاقية وتسليتهم ومساعدتهم على اكتشاف العالم بطريقة ممتعة، وبلغة مبسطة ومكيفة مع عمر القرّاء، وتلعب الصور دورًا حاسمًا، خاصة في ألبومات الأطفال الصغار، في مساعدتهم على فهم القصة.
ولبلورة تعريف دقيق ومتين لأدب الأطفال، ناقشت جينيفر جاسينسكي شنايدر(Jenifer Jasinski Schneider) أستاذة اللغة والأدب وتعليم القراءة في جامعة جنوب فلوريدا، في الفصل الثاني من ورقتها حول ماهية أدب الأطفال، مشكلة التعريفات والمحدّدات المتداولة للمصطلح. ومن خلال مختارات من النصوص وأمثلة من قصص الأطفال، نسفت شنايدر التعريف القائم على أنه مجموعة من الكتب المكتوبة للأطفال، أو التي يقرأها الأطفال، و/أو المكتوبة عن الأطفال، مشدّدة على أنّ هناك العديد من الكتب المكتوبة للأطفال تمّ تصنيفها في قسم أدب اليافعين، وهناك قصص مكتملة الأركان تُعرف بأنها كتب مع أنّها لم تطبع على ورق في شكل كتاب ولا تباع في المكتبات، وهي متاحة مجانًا لأي شخص متّصل بالإنترنت، وأن لا علاقة لحالة الكتاب من ناحية الشكل الفنّي والتجليد والتصميم بالجودة، إذ أنّه يمكن العثور على نصوص أدبية عالية الجودة خارج الصفحات المطبوعة للكتب، وأنّ أعمار شخصيات القصّة وسردها من منظور طفل ليس هو المعيار الأفضل للتصنيف أو المؤشّر للشريحة العمرية المستهدفة، كما أنّ نية المؤلف أو الرسّام ليست هي أفضل طريقة لتعريف أدب الأطفال.
وقبل أن تقوم بمراجعة التعريف المقدم سابقًا لأدب الأطفال، وتبسط التعريف الشامل له، طرحت شنايدر جملة من الأسئلة العميقة جعلتها مدخلا للنفاذ إلى المحدّدات الحقيقية للأدب المخصص للطفل: ما الذي يجعل الكتاب كتابًا؟ وهل تحدد المواد (الورق، الجلد، الخشب، العاج، شاشة الكمبيوتر) أو طرق الإنتاج (التجليد، اللصق، الخياطة، الترميز) تعريف الكتاب؟ وكم عدد الكلمات المطلوبة لكي تصبح القصة “أدبًا”؟ ومتى تنتهي الطفولة؟ وما هو المناسب للأطفال؟ وكيف نقرر ذلك؟ وهل يجب أن تتضمن الكتب نصًا أم طباعة؟ كم عدد الصور التي تعتبر كثيرة جدًا؟ إذا كانت الصور طفولية، فلماذا تتضمن النصوص للبالغين صورًا وفن غلاف؟ على سبيل المثال، تتضمن الروايات المصورة صورًا ونصًا. إذا كان بإمكان المشاهد تفسير القصة من الصور، فهل الكلمات ضرورية؟ هل أدب الأطفال عبارة عن مجموعة من الكتب؟ هل يقرأ الأطفال أدب الأطفال؟ هل أدب الأطفال مكتوب عن الأطفال؟ ما مستويات العنف المقبولة في كتب الأطفال؟ وما هي الصورة التي نريد تعزيزها أو التشكيك فيها؟
تذكّر شنايدر بقصّة “سندريلا” أشهر الحكايات الشعبية، وتشير إلى ما قامت به الأختان غير الشقيقتين من تقطيع أجزاء من أقدامهما لتناسب الحذاء، تعرضها كدليل على أن محتوى أدب الأطفال واسع ويصل إلى مواضيع الكبار سواء أحببنا ذلك أم لا. وخلصت في الأخير إلى أنّ أدب الأطفال هو تسمية لمجموعات النصوص المكتوبة و/أو المرسومة خصيصًا للأطفال و/أو عنهم وكذلك النصوص التي لم تُكتب و/أو مرسومة خصيصًا للأطفال و/أو عنهم ولكنهم اختاروا قراءتها و/أو مشاهدتها و/أو كتابتها.
وتحدثت ناتاليا كوتسيركوفا ومارجريت ماكي عن الكتب الرقميّة المخصّصة بميزات جمع البيانات التي تسجل مشاركة الأطفال وتاريخهم وتقدمهم لتجعل القارئ الشخصية الرئيسية في القصة، وانتقدتا التخصيصَ المعزز بالذكاء الاصطناعي الذي يعمل على تقليل قدرة الفرد على التصرف بشكل كبير، حيث يتم تشغيل التخصيصِ التلقائي بواسطة الخوارزميات، ومخاطبة القرّاء مباشرة بأسمائهم ويتم تكييف المحتوى دون سيطرتهم عليه أو موافقتهم الصريحة.
وهكذا، بظهور النصوص الرقمية المتعددة الوسائط وتوسيع كتب القصص الرقمية من الخيارات، لتخصيص الرسوم، وإضافة الأسماء وتسجيل الأصوت إلى القصة، تغيّرت الزاوية التي ينظر منها القرّاء لأدب الأطفال، وعلى عكس محتوى رسومات الكهوف والنصوص التقليدية المطبوعة قبل العصر الرقمي، تتطلب النصوص المتعددة الوسائط والرقمية من القرّاء الانتباه إلى الصّور المرئيّة وعناصرَ التصميم وعناصرَ النص التشعبي بالإضافة إلى اللغة المكتوبة.
وبما أنّ أدب الأطفال يضمّ في جرابه الرقمي وغير الرقمي، فإننا في هذه الدراسة سوف يقتصر حديثنا على أدب الأطفال التفاعلي أي السرد باستخدام التكنولوجيا الرقميّة.
ولغرض العرض التوضيحي، انتقيت من كتاب “شبكة العنكبوت لصيد الذباب”(1)، قصّة الكلب(2)، (قصّة غير محمية بحقوق الطبع والنشر، نُشر الكتاب أول مرة عام 1783)، وهو للكاتبة البريطانية إلينور فين (1743-1813Ellenor Fenn)، المتخفية خلف اسمِها المستعار السيدة لوفتشايلد، والقصّة حوارية موجّهة للأطفال، قمت بإعادة معالجتها والتصرّف فيها لتناسب ثقافة الطفولة العربيّة محتوى وأغراضا.
ونظرا لقيد العمر المناسب لأطفال تتراوح أعمارهم بين سن الثلاث إلى الثماني سنوات، لم أقف عند التحويرات اللفظية، بل تعدّيتها إلى تغيير شكلها الفنّي أيضا، وتحويلها من قصة ورقية خطّية تقليدية إلى قصّة رقميّة تفاعلية ديناميكية معقّدة لا يمكن التنبّؤُ بنهايتها. ولإكسائها طابع التسلية والمتعة بالإضافة إلى تحسين الإدراك وتطوير المعرفة، أنشأت باستخدام لغات برمجية(3)، بيئة تفاعلية افتراضية بالكامل بغية تسليط الضوء على أدوات تحليل السرد التفاعلي، وتوضيحها في سياق القصّة المختارة، (في الصورة النسخة الرقمية المصمَّمَة للاستخدام على متصفّح الواب ، يمكن استخدامها في وضع عدم الاتصال).
يضمن التحول إلى بيئة ورشة قراءة القصّة التفاعلية إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض التعلّم في علم اللغة الأدبي، وتعزيز المعرفة الأدبيّة والخيال، وتحقيق القدرات والمهارات اللازمة لفهم النصوص والوسائط الرقمية المتعددة التي يفتقر إليها الأطفال بما فيهم أولئك الذين بَرَعوا في استخدام التكنولوجيا لأغراض ترفيهية، كما يضمن هذا التحوّل إمكانية مشاركة القرّاء مباشرة في نسيج القصّة وتطويرها من خلال البيانات التي يقومون بإدخالها، بأنفسهم أو بمساعدة أوليائهم ومربّيهم، ثمّ المرور إلى فعل التأليف من خلال استرجاع القصّة بعد الاستماع وإعادة صياغتها مشافهة أو كتابة.
باختصار، مشروع بيئة ورشة السرد التفاعلي المرتبطة بأدب الأطفال يمثّل أنموذجا بسيطا لا غير، يمكن تضمينه في بيئة أوسع نطاقًا مليئة بالنصوص الأدبيّة مبوّبة حسب الأهداف والقضايا لتحسين مهارات القراءة والكتابة والتهجئة وفكّ شفرة الرموز المعروضة بصريًا لدى الأطفال، والمهارات الشفوية، والمهارات الرقمية لسدّ الفجوة الرقمية، والقدرة على تنظيم الأفكار وتذكر المعلومات المنطوقة لفترة قصيرة من الزمن.
تمّ تقسيم هذه المساحة الإلكترونيّة إلى ثلاثة مستويات هي كلّ ما يحتاجه الأولياء والمربّون لتحقيق أهدافهم التربوية. عند ولوج المستخدم إلى الورشة الرقمية سيتحتّم عليه اختيار الشكل الفنّي للنصّ الأدبي: قصّة صوتيّة أو قصّة مصوّرة أو القصّة التشعّبيّة متعدّدة الوسائط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.