فريد بشارة يكتب | عن أي علم تتحدثون؟

0

قال الفيْلسوف اليونانيُّ اَلحكِيم سُقْراط إِنَّ الحكْمة الحقيقيَّة تَأتِي لِكلٍّ مِنَّا حِينمَا نُدْرِك أَننَا لَا نَعلَم إِلَّا اَلقلِيل عن الحيَاة وعن أَنفُسنا وعن العالم مِن حوْلنَا أَنهَا كلماته اَلتِي أَرَاد بِهَا أن يُعبِّر عن عدم محْدوديَّة العلم والتَّعْليم ولَا شكَّ أَننَا جميعًا نُدْرِك أَهَميَّة العلم فِي حَياتِنا فَالعِلم هُو إِدرَاك الشَّيْء على حقيقَته كمَا أَنَّه المعْرفة والْيقين وَهُو نقيض الجهْل اَلذِي يَعرِف أَنَّه اِعتِقاد الشَّيْء على خِلَاف حقيقَته وَالفِرق بيْنهمَا كالنُّور والظَّلام فلَا أحد يُنْكِر أَهَميَّة العلم فِي حَياتِنا وَلكِن اَلحدِيث اليوْم على الإنْسان مُتَلقي العلم وَمدَى تَأثِير العلْم على الإنْسان بل هُو فَرْز وَتميِيز بَيْن مُدعِي العلم وَصاحِب العلم الحقيقيِّ وَهذَا لَيْس على العلم فِي شيْئًا فَالعِلم نُورًا دوْمًا وأبدًا.
يَتَلقَّى الإنْسان خِلَال سَنَوات عُمْرِه تعْليمًا وخبْرَات وتجارب مُختلفَة فِي حَياتِه يُختَزَن خِلالَهَا العقْل أفْكارًا وَعلَى العقْل أن يُميِّز مَا هُو صَالِح لِيقْتنيه ومَا هُو غَيْر صَالِح لِيرْفضه ثُمَّ يَعُود لِيطْلق العقْل أفْكارًا قد تُشْبِع بِهَا قد تَعكِس مَا تَعلمُه ومَا اِكْتسَبه وَهذِه الأفْكار تَنعَكِس على سُلوكه وأخْلاقه وأسْلوب حَياتِه.
إذَا قوَّلْنَا إِنَّ المعْرفة شَهوَة العقْل فَإِننَا أيْضًا نَستطِيع أن نَقُول إِنَّ اَلكلِمة هُو وَلِيدَة العقْل. بِالطَّبْع هُنَاك نَماذِج كَثِيرَة مُشْرِفه قَدمَت لِلْعالم والْبشريَّة خِدْمَات جَلِيلَة قد أَسعَدت العالم وعلْمًا مُفيدًا فَإِننَا نَسعَد حِينمَا نَسمَع إِليْهم فكلماتهم تَعكِس عِلْمًا حَقيقِيا وَرقِي وَمعرِفة بل إِنَّ أيَّ كلمات فِي حقِّ هؤلاء تظلّ ضَئِيلَة جِدًّا لِمَا قَدمُوه فِي خِدْمَة العالم والْبشْرىة وَهنَا قد يَختَلِط عليْنَا الأمْر كثيرًا حِينمَا نرى شَخْص قد نال كثيرًا مِن العلم وَلكِن حِينمَا يَتَكلَّم نَستشْعِر جهْلا دفينًا فِي دَاخلِه لَم يُغيِّر العلم شيْئًا بِداخِله فَعلَى سبيل المثَال اُنظُر لِكثير مِن القائمين على أَعمَال الإرْهاب فِي العالم فحينَمَا نَبحَث فِي سِيرتِهم الذَّاتيَّة يتْفأجى العالم أَنهُم حَصلُوا على أَعلَى الشَّهادات الدِّراسيَّة بل وتفوقوا فَأيِن ذهب بِهم العلم هل فشل العلم فِي بِنَاء إِدْراكهم وَتقوِيم الفكْر المتطرِّف بِداخلهم بل فَشلَت عُقولَهم فِي فَهْم مَبدَأ حُريَّة الآخرين بل وانْظر أيْضًا أَعضَاء تنظيم الإخْوان وقد اِعتلَى زُوعمائهَا أَعلَى الشَّهادات الجامعيَّة فِي مُعظَم كُلِّيَّات اَلقِمة والْكثير مِنْهم تَفُوق أكاديميًّا لِيصْبح مِن أَعضَاء هَيئَة التَّدْريس فِي الجامعات المصْريَّة وَغيرِها وماذَا بَعْد أن وَصلُوا لِحكْم مِصْر وبعْض البلَاد العربيَّة بَعْد جِهادًا دام تِسْعون عامًا وكانتْ لَهُم اَلكلِمة فانْطلقوا بكلَّامْتهم اَلتِي كَانَت مَادَّة دَسمَة لِسخْرِية المصْريِّين مِنْهم فقد فضحتْهم كلماتهم وأفْكارهم لَم يَتَأثَّر عَقلُهم بِالْعِلْم الأكاديميِّ اَلذِي تفوَّقوا بِه فَكَان عِلْمهم حِبْرًا على ورق ولم يتعلَّموا مَعنَى حُريَّة الآخرين وَهنَا ظَهرَت هَشاشَة تعْليمهم فإنَّهم مُدَّعين عِلْمًا وليْسوا أَصحَاب عِلْمًا حَقيقِيًا.
إِذَا فكلمَات الإنْسان تُعبِّر عَمَّا بِداخِله وعن عِلْمِه أو جَهلِه فانْظر إِلى الشَّخْص عِنْدمَا يَتَحاوَر فالشَّخْص المتعلِّم حسن الاسْتماع يَتَحاوَر بِموْضوعيَّة ولَا يَفرِض رَأيُه على الآخرين فَهُو يَعلَم جيِّدًا أنَّ تَغيِير فِكْرًا لِشَخص لَن يَكُون إِلَّا بِفكْر آخر أَعمَق وليْس بِالْقوَّة وَإلَّا كَانَت المناقشة معه هَزلِية لَا قِيمة لَهَا فالْعمْق فِي التَّفْكير اِنعِكاس على مدى ثَقافَة الإنْسان الحقيقيَّة بل اُنظُر إِلى الشَّخْص عِنْدمَا يَغضَب.
أيْضًا الشَّخْص المتعلِّم يَخلُو حديثه مِن كثيرًا مِن الخرافات وأفْكارًا غَرِيبَة يَرفُضها العقْل البشَريُّ فنحْزن كثيرًا عِنْدمَا نرى شَخْص يَتَكلَّم عن عِلَاج السَّرطان بِالْأعْشاب والْكورونَا بِالثُّوم والْبَصل بل إِنَّ عِلَاج تَصلُّب الشَّرايين بِالْمَاء السَّاخن واللَّيْمون وَغيرِها لَيْس المخْزن أن نَجِد مِثْل هَذِه الأفْكار فِي القرْن الحادي والْعشْرون وَلكِن اَلمحْزِن أَكثَر أن تَصدُر مِن شَخْص يُفتَرَض أَنَّه صَاحِب عِلْم حقيقًا قد بنى عِلْمه على مَصدَر عِلْمِي أم على مُحْتوًى مِن وَسائِل التَّواصل الاجْتماعيِّ لَيْس لَه دليل عِلْمِي فَيصبِح مُضَللا لِلْعالم بِكلماته.
كَذلِك حِينمَا تَستَمِع لِكلمَات شَخْص لَا تَنخَدِع بِكلمَات مَحفُوظة قد يقْتبسهَا مِن غَيرِه هُو لَيْس صَاحِب عِلْم كتعمُّد شَخْص تَكْرار نَفْس الكلمات فِي كُلِّ حِوارًا لَه. إِنَّه مُخَادِع يُدعَى عِلْم لَيْس بِه لِهَذا الشَّخْص أَقُول لَك تُعمِّق معه فِي الحوَار فكلماته ستكْتَشف أَمرَه كَمُدعَى عِلْم.
أيْضًا الشَّخْص اَلذِي يَتَكلَّم فِي كُلِّ شَيْء وَيُدعَى المعْرفة بِكلِّ شيٍّ هُو غالبًا شَخْص مُدعَى عِلْم لِأَنه لَم يَعِي التَّخَصُّص فِي العلم. فعالم الأحْياء على سبيل المثَال لَو تَكلَّم فِي عِلْم الطِّبِّ والْجراحة فَإنَّه قد يُظْهِر جهْلا شديدًا بل إِنَّ ذَلِك قد يَنقُص كثيرًا مِن شَأنِه بل إِنَّ حَتَّى فِي عِلْم الطِّبِّ تخصُّصَات كَثِيرَة فالطَّبيب اَلذِي تُخصِّص فِي أَمرَاض اَلكَبِد وبالرَّغْم مِن إِلْمامه بِخبْرَات كَبِيرَة فِي عِلْم الطِّبِّ بِصفة عَامَّة إِلَّا أَنَّه لَيْس الشَّخْص المناسب لِلْحدِيث عن أَمرَاض القلْب أَنَّه التَّخَصُّص فِي العلم وأهمِّيَّته. وَهنَا يَقِف الإنْسان حائرًا أَيْن تُكْمِل المشْكلة هل فِي العلم حَاشَا فَالعِلم نُورًا دائمًا وأبدًا أُمُّ المشْكلة فِي الإنْسان مُتَلقي العلم أُمِّ المشْكلة فِي القائمين على العلم وَفَساد العمليَّة التَّعْليميَّة وسياسة تَعلِيم نَاتِجة عن عمل أَبحَاث غَيْر مُستفَاد مِنهَا أُمِّ البيئة المحيطة اَلتِي نشأ بِهَا مُتَلقي العلم.
تَأتِي أَهَميَّة هَذِه الكلمات فِي عصْرنَا وقد اِختلَط الحابل بِالنَّابل وَحتَّى لَا تَختَلِط عليْنَا اَلأُمور مَا بَيْن صَاحِب عِلْمًا حَقيقِيا وَمُدعَى عِلْمًا قد يَتَكلَّم بِلسان العلم والْعلماء فَيصبِح مُضَللا لِلنَّاس بل مُبَشرا بِالْجَهْل بَيْن النَّاس وَهُو لا يَعلَم إِذَا لَم يَنجَح العلم فِي بِنَاء إِدرَاك الإنْسان لِيميِّز مَالَه ومَا عليْه وَإذَا لَم يَرتَقِي العلم بِعَقل الإنْسان لِيتعَلَّم حُريَّة الآخرين وَعدَم التَّدَخُّل فِي شُئُون الغيْر هُو أَبسَط قَواعِد اَلرقِي والتَّحضُّر فَعلَى أيْ عِلْم يتكلَّمون أَنَّه قِمَّة الجهْل والتَّخلُّف وَعلَى أيِّ عِلْم يتفاخرون أَنهُم واهمون. إِذَا لَم يَتَعلَّم الإنْسان متى يَتَكلَّم وَمتَى يَصمُت فَكمَا لِلْكلِمة حُكمَه فللصَّمْتِ أيْضًا حُكمَه وَفِي أيِّ شيٍّ يَتَكلَّم وَأيِن يَجِب أن يَسمَع إِذَا لَم يُدْرِك كُلُّ هذَا فحتْمًا هذَا لَيْس صَاحِب عِلْم جيِّدًا.
أنْصَاف المتعلِّمين أَخطَر كثيرًا على العالم مِن الجهلاء والتَّحدُّث مع شَخْص جاهلا يُدْرِك جَهلُه يظلُّ أَفضَل كثيرًا مِن التَّحَدُّث مع شَخْص مُتَعلم جاهلا لَا يُدْرِك وَهمُه ويبْقى الإدْراك والتَّمْييز هُو الميزان والْمؤشِّر العادل على تَميُّز العلم والتَّعْليم وتبْقى الكلمات والْأسْلوب والْأخْلاق هِي مِرْآة تَعكِس عِلْم الإنْسان أو جَهلِه فَالعِلم لَيْس فقط اَلحُصول على أَعلَى الشَّهادات وَلكِن هُو المعْرفة والثَّقافة وخبْرَات الحيَاة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.