فهد المضحكي يكتب | الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي (2 – 2)

0

يأتي اعتراف إيرلندا والنرويج وإسبانيا بفلسطين بعد أيام قليلة من الطلب الذي تقدم به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال قادة «إسرائيل» وحماس. تكشف ردود الفعل الأوروبية، مرة أخرى، عن نمط مألوف من الانقسامات على طول الخطوط التي يمكن التنبؤ بها، فقد تعهدت بلجيكا وسلوفينيا وإيرلندا وإسبانيا، وجميعها من المؤيدين الأقوياء لحل الدولتين، بتقديم الدعم الكامل للمحكمة وشددت على أنّ المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في «إسرائيل» وفلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 على الأقل، يجب إخضاعهم للمحاكمة.

على المنوال ذاته، ذكر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن «جميع الدول التي صدّقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مُلزمة بتنفيذ قرارات المحكمة».

الجدير بالذكر أن أعضاء الاتحاد الأوروبي هم أطراف في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الجانب الآخر من الطيف، هناك المشتبه بهم المعتادون أقرب حلفاء «إسرائيل» في الاتحاد الأوروبي. بدرجة متفاوتة من الشدة، نددت جمهورية التشيك والمجر وإيطاليا والنمسا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق ممثلين عن دولة ديمقراطية مثل «إسرائيل».

في مكان ما في الوسط المعُلن، تقف الدول ذات الوزن الثقيل في الاتحاد الأوروبي،فقد انتقدت ألمانيا «المعنى الضمني غير الصحيح للمكافأة» بين «إسرائيل» وحماس في طلب التوقيف الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها أعلنت في الوقت ذاته عن دعمها العام للمحكمة. ورفضت فرنسا بالمثل أي تساوٍ بين المطلوبين، لكنها شددت على «احترام استقلال العدالة الدولية».

رغم أنّ الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية يشكل خطوة رمزية إلى حد كبير، إلى جانب التحرك الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية، بدعم من عدد من حلفاء «إسرائيل» في الاتحاد الأوروبي، إلا أنّه يشير إلى تآكل خطير لمكانة إسرائيل في الغرب. وقد تختار المزيد من الدول أن تحذو حذوها في المستقبل القريب، حيث تكون من المتوقع أن تكون بلجيكا وسلوفينيا من المرشحين الرئيسيين. وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يعد قادرًا على تجاهل هذه الخطوة.

قد تتعارض مثل هذه التحركات مع مواقف الولايات المتحدة، لكنها تكشف في الحقيقة عن الإحباط المتزايد في أوروبا بشأن عدم جدوى التمسك بصيغة الحل التفاوضي الذي يبدو بعيد المنال على نحو متزايد في ظل تحول إسرائيل نحو مواقف أكثر تصلبًا، وعدم ردها حتى على إعلانات رمزية.

في الوقت نفسه – وهذا الأمر شديد الأهمية في هذا السياق – لم تعد الدول الأوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، وربما دول أخرى، ترغب في دفع ثمن دبلوماسي في علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، وفي الواقع مع معظم دول الجنوب العالمي، من خلال رفض دعم دولة فلسطين والالتزام بحل الدولتين، أو حتى التغاضي عن عدم احترام إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل في الشرق الأوسط، فإن اعتراف الدول الثلاثة بفلسطين كان رهانًا صحيحًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.