شهدت أيام الجمعة والسبت الماضيين انطلاق المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري للمصريين في الخارج، في مشهد لا يمكن قراءته بمعزل عن الحالة العامة في الداخل. فقد بدا واضحًا أن المصريين، رغم بعد المسافات واختلاف البيئات، لا يزالون يحملون حنينًا للوطن وإصرارًا على أن يكون لهم صوت في رسم ملامح مستقبله السياسي. هذه الانتخابات، وإن بدت في ظاهرها إجراءً دوريًا، فإنها في جوهرها اختبار حقيقي لوعي المصريين وارتباطهم بمسار الدولة.
إقبال لافت في عدد من السفارات”
منذ اللحظات الأولى لفتح لجان الاقتراع في السفارات والقنصليات، رُصدت حالة من الإقبال اللافت والحماس الوطني في عدد من العواصم، أبرزها الرياض والكويت وروما.
في الرياض، بدت الصورة وكأنها احتفال وطني مصغر، حيث التف المواطنون حول صناديق الاقتراع في أجواء منظمة وهادئة. وفي الكويت، تجسدت المشاركة في شكل اجتماعي لافت، فالأسر جاءت مجتمعة لتُظهر دعمها للوطن في هذا الاستحقاق. أما في روما، فقد حمل المشهد رمزية خاصة، إذ امتزجت ملامح الأجيال المختلفة لتؤكد أن الانتماء لا يعرف حدودًا ولا مسافات.
دلالات سياسية واجتماعية
ما لفت الانتباه في هذه الجولة ليس الأرقام فقط، بل الروح التي صاحبتها. فالمشاركة رغم كونها “تكرارية” في بعض الدوائر، حملت رسالة واضحة بأن المصريين بالخارج أصبحوا أكثر وعيًا بدورهم في الحياة السياسية، وأكثر حرصًا على الاستقرار واستكمال مؤسسات الدولة.
إن هذا الوعي يعكس تطورًا في النظرة العامة للمشاركة الانتخابية، التي لم تعد مجرد واجب وطني، بل ممارسة واعية تهدف إلى تحسين الأداء البرلماني القادم، خاصة في ظل ما تشهده البلاد من تحولات اقتصادية وإدارية كبيرة.
المرحلتان الأولى والثانية ومن يحق لهم التصويت
تُجرى الانتخابات على مرحلتين تشملان جميع محافظات الجمهورية، حيث جاءت المرحلة الأولى لتغطي محافظات الصعيد والوجه البحري، بينما تشمل المرحلة الثانية القاهرة الكبرى ومحافظات الدلتا. ويحق لنحو ٦٥ مليون مصري الإدلاء بأصواتهم، وهو رقم يعكس اتساع قاعدة المشاركة وعمقها.
إن هذا الرقم وحده كافٍ ليؤكد أن العملية الانتخابية لم تعد نخبوية، بل أصبحت شأنًا عامًا يتصل بحياة المواطن اليومية، ومسار الإصلاح التشريعي والخدمي داخل الدولة.
تنظيم محكم وإشراف دبلوماسي بالخارج
لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي قامت به البعثات الدبلوماسية المصرية في الخارج لتنظيم العملية الانتخابية بسلاسة وشفافية. فقد هيأت السفارات والقنصليات الظروف المناسبة، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية وتيسير عملية التصويت إلكترونيًا أو بالحضور المباشر.
وقد أثبت هذا التنظيم أن الدولة تتعامل مع ملف المصريين بالخارج بوصفهم امتدادًا طبيعيًا للوطن، لا مجرد جاليات بعيدة. إن إشراف الهيئة الوطنية للانتخابات بالتعاون مع وزارة الخارجية أضفى طابعًا مؤسسيًا جادًا، يعزز ثقة المواطنين في نزاهة الإجراءات وعدالتها.
نحو انتخابات داخلية نشطة .
من الطبيعي أن ينعكس هذا الزخم الخارجي على الداخل. فالمشهد الذي رأيناه في الرياض والكويت وروما يمكن أن يتحول إلى حافز معنوي للمصريين في الداخل، خاصة في المحافظات التي تشهد إعادة الانتخابات. وإذا استمر هذا الحماس بنفس الوتيرة، فقد نشهد نسبة مشاركة أعلى من المتوقع، وهو ما سيعزز من شرعية البرلمان القادم ويمنحه قوة تمثيلية حقيقية.
بالختام ما جرى في سفارات مصر بالخارج لم يكن مجرد تصويت أو واجب وطني روتيني، بل رسالة في حب الوطن ووعي بالمسؤولية. المصريون في الخارج أثبتوا أن ارتباطهم بمصر ليس ارتباط مصالح، بل علاقة انتماء وهوية وذاكرة ممتدة.
إنها تجربة تستحق التأمل، لأنها تكشف عن روح وطنية ما زالت حيّة رغم الغربة، وتؤكد أن المصري أينما كان سيظل وفيًّا لشعاره الخالد صوتي لمصر.. ومسؤوليتي مستقبلها.”