قياتي عاشور يكتب | التعليم عن بُعد أساس نهضة الجمهورية الجديدة
فرضت تداعيات انتشار فيروس كورونا العديد من العقبات أمام الكثير من الخدمات المقدمة للمواطنين والتي من أهمها الخدمات التعليمية، ولمواجهة هذه المصاعب تزايد الاهتمام بما يعرف بالتعليم عن بُعد في محاولة من جانب حكومات الدول للاستفادة من التطور التكنولوجي في استمرار العملية التعليمية بصورة مستقرة ومنظمة.
كانت عملية السير في هذا الاتجاه مليئة بالصعوبات، خاصة وأن غالبية الدول لم تتوفر لديها البنية التحتية اللازمة لنجاح هذه التجربة؛ حيث إن هذه اللوجيستيات تمثل قبلة الحياة لهذا التحول، فالتعليم عن بُعد يرتكز على التكنولوجيا، أي أنه يقوم على إيصال المعارف والمهارات بالوسائل التكنولوجية إلى المتعلم عبر وسائط وأساليب تقنية مختلفة، حيث يكون المتعلم بعيدًا أو منفصلًا عن المعلم أو القائم على العملية التعليمية، وتستخدم التكنولوجيا من أجل مَلء الفجوة بين كل الطرفين بما يحاكي الاتصال الذي يحدث وجهًا لوجه.
هذه العلاقة كانت السبب وراء ظهور عراقيل كثيرة أمام نجاح هذه التجربة وإنعاشها، فبعد أن عصف انتشار فيروس كورونا بقدرات الدول الاقتصادية، وخاصة الدول النامية، ظهرت مجموعة من التحديات في التحول في أسلوب التعليم التقليدي، فالعجز في الإمكانيات المادية اللازمة لتوفير الأدوات التكنولوجية، وعدم الاستعداد الفعلي للقائمين على تقديم الخدمات التعليمية، بجانب فقدان المواطنين للثقة في هذا النموذج الجديد للتعليم جعلت من هذا التحول أزمة بدلًا من أن يكون حل لها.
تمكنت الدولة المصرية بمختلف أجهزتها المعنية بهذا الملف من تحقيق طفرة كبيرة من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى والاستعانة بها في تطبيق هذا النموذج مستغلة بذلك إمكانياتها، إذ تفاعلت الدولة وأجهزتها وبشكل طارئ مع هذا الملف لضمان استمرار العملية التعليمية فبدأت بالبث التعلیمي من خلال التلفزیون، وتأسيس البوابات الإلكترونية وتفعيل الفصول الافتراضية، واستخدام التقنيات الذكية في المناهج التعليمية، وتوفیر خدمات الإنترنت في المناطق غیر المشمولة بالخدمة من خلال الأقمار الصناعية.
على الرغم من الجهود المبذولة وحداثة التجربة في مصر، إلا أن هذه التجربة لا تزال في مرحلة الولادة وتتطلب الكثير من الموارد والسياسات لتترعرع سواء على مستوى التشريعات والقوانين الميسرة والمشجعة للتعليم الإلكتروني، والعمل علي تطوير البنية التحتية اللازمة لمواكبة عملية التعليم عن بعد، وتدريب الكوادر البشرية ورفع المستوي الأدائي باعتماد سياسية التنمية المهنية المستدامة لهم وتجويدها، والتوعية بأهمية التعليم الإلكتروني بين أوساط الطلبة والمعلمين ومدى مصداقيته وقدرته على تقديم حلول تعليمية بمستوى يُضاهي مؤسسات التعليم التقليدية، بجانب استحداث إدارة جديدة ومستقلة علی مستوی الجمهورية بميزانية کافیة لأجل التخطيط للتعليم الإلكتروني ودعمه بطاقم متخصص من كوادر ذي خبرة في هذا المجال، والتي تمثل جميعها قواعد نجاح لهذه التجربة.
إن الجمهورية الجديدة أساسها العلم والتنمية ولهذا الهدف لابد من الاستمرار في دعم هذه السياسات في ظل اقتصاد عالمي يرتكز على المعرفة، ولعل ولادة الجهورية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تتطلب مزيدًا من الجهود لوضع الأسس العلمية لتطور العملية التعليمية.