قياتي عاشور يكتب | تعددية التعليم والهوية المصرية
على مر العصور شهد التعليم المصري إدخال أنواعًا مختلفة من المدارس بأغراض وأهداف متفاوتة، ولكن المقصد لا يختلف كثيرًا، وهو نقل العلم والمعرفة من جيل إلى جيل لخدمة المجتمع والبشرية بشكل عام. ويُعد التعليم حجر الزاوية في تشكيل الهوية وتعزيزها والحفاظ عليها لدى الفرد والمجتمع، لذلك فمن الضروري أن يتبنى النظام التعليمي فلسفة نابعة من فلسفة المجتمع ومحملة بتراث ضخم من العادات والتقاليد والقيم والأعراف تلك التي تشكل النظام وتحدد إطاره السياسي، وترسم رؤية للكون والحياة والإنسان.
على الرغم من خطورة الدور الذي يقوم به التعليم، انتشرت في مصر العديد من النظم التعليمية: المدارس الدينية (الأزهرية والخاصة)، المدارس الحكومية (العادية والتجريبية)، المدارس الخاصة (عربي ولغات)، المدارس الدولية، المدارس اليابانية المصرية، مدارس النيل المصرية الدولية، أي ما يزيد عن 17 نوعًا للتعليم ما قبل الجامعي. ومن المؤكد أن هذا التباين في المدارس يتبعه بالضرورة تباين في الثقافات التعليمية التي تلعب دورًا بارزًا في تشكيل الهوية الثقافية لأبناء المجتمع.
التنوع الذي نشهده في مدارسنا اليوم، يشهد وجهتين للنظر؛ إحداهما ترفض وتعارض فكرة التعددية في نظام التعليم، بحجة ضياع الهوية وانهيار اللغة العربية، ومن ثم التأثير بشكل سلبي على شخصية المتعلم وتباعد أنماط الشخصية لتباين وتباعد المدخلات ومخرجات التعليم، فالفهم لعملية تعدد التعليم بهذا الشكل تفكير قاصر لابد من إعادة النظر فيه، والتخوف المشروع من ضياع الهوية بتعدد نظم التعليم، ولا يجب مواجهة ذلك بمحاربة النظم المختلفة أو بإغلاق المنافذ امام التعددية.
يري أخرون إن وجود التعليم الأجنبي أمر لابد منه حيث أصبح نمطًا تعليميًا يلبى المتطلبات العالمية، ويحقق احتياجات سوق العمل العالمي من الخريجين، والتي عجزت أنماط التعليم التقليدية عن الوفاء بها، كما أن تعلم اللغات الأجنبية يساعد كل أمة على معرفة ما وصلت إليها غيرها من الأمم من العلوم والتقدم والحضارة. ولكن بما لا يهدد وحدة وتماسك المجتمع وقدرته على تشكيل وجدان وهوية الأجيال القادمة.
إن الحفاظ على الهوية لا يعنى الانغلاق على الذات بعيدًا عن الثقافات الأخرى، فنحن بحاجة إلى إعادة نظر في ضوء مستجدات التربية الحديثة نحو دمج أنواع التعليم في إطار من التعددية في إطار الوحدة، من خلال مجموعة من الأساسيات تحددها الدولة فيما يتعلق باللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية في كل مرحلة تعليمية من عمر الطالب، بحيث تكون إجبارية في المدارس الأجنبية والدولية، بما يحقق تكامل النظم التعليمية ويدعمها. مع إشراف فعلي من قِبل وزارة التربية والتعليم على كل المدارس التي تطبق البرامج الدولية، للتأكد من أن المناهج الدراسية التي تُدرس بها لا تتعارض في أهدافها أو محتواها أو أنشطتها مع فلسفة وهوية المجتمع المصري. وبالتالي تكوين ثقافة قومية مشتركة تعمل على تماسك المجتمع وتنمي قدرته على العيش المشترك، وتزويده بمجموعة من المعارف تؤكد وتعزز قيم الولاء والانتماء والمواطنة لدى طلابه.