كريمة حسين تكتب | الأمن الثقافي والإعلام

0

 أصبح الأمن الثقافي واحدًا من أهم جوانب الأمن القومي والدفاع عن الهوية الثقافية للدول والمجتمعات وقد لا يقل أهمية عن الدفاع عن الحدود في عصرنا الراهن، بعد أن أصبحت المجتمعات والدول مستهدفة لإضعاف ثقافتها وهويتها الوطنية.

حيث ظهر مفهوم الأمن الثقافي الوطني مؤخرًا كأحد أبرز أدوات المجابهة الداخلية والخارجية في معركتي الوعي والهوية. وقد أصبح هناك ضرورة ملحة لمفهوم الأمن الثقافي لأنه يمثل الحفاظ على الذاتية والهوية في مواجهة محاولات الاختراق والتشويه التي خلقتها العولمة، فالأمن الثقافي هو التحدي المتمثل في الحفاظ على خصوصية الهوية الثقافية المحلية في مواجهة التحديث والعولمة دون عزلها عن بقية العالم، ففي العديد من الدول تم استهداف العادات والتقاليد عمدًا بقصد تقويض أو حتى القضاء على الهوية الثقافية للشعوب.

يتضمن مفهوم الأمن الثقافي المحافظة أو حماية التراث والقيم الفكرية والعادات والتقاليد الإيجابية داخل المجتمعات وتصحيح ومراجعة قيم المجتمع التي تلعب دورًا مؤثرًا في تناول وتقييم الآخر وفكره وسلوكه، وحماية المعتقدات والأفكار المعتدلة والمتسامحة من الفساد أو حتى الانقراض والعمل على تأصيلها.

تكمن أهمية هذا المفهوم في المحافظة على ثقافة المجتمع الأصيلة، فالتراث الثقافي هو شكل من أشكال العملة السياسية والضمانات طويلة الأمد، وجزء من التنمية المعنوية والقيمية بما أن التراث الثقافي هو تعبير عن سبل المعيشة الموضوعة من قبل المجتمع ونقلها من جيل إلى جيل، بما في ذلك الفلكلور الشعبي والممارسات والسلوكيات المجتمعية والثقافية والأماكن والصناعات والمهن والفنون والرياضات التراثية الشعبية، والمخرجات والتعبيرات الفنية والأدبية وكذلك كل ما يعد تراثًا ثقافيًا غير مادي.

الثقافة قوة ناعمة شعبية إذا لم تستخدمها الدول بحكمة استخدمت ضدها،  فالتعويم الثقافي الممارس من قبل ثقافات معينة نحو الثقافات الأخرى  دون استحداث مسارات ومواجهات ذكية غير تقليدية  سوف يؤدى إلى ذوبان هذه الثقافات أو تهميشها وغيابها بمرور الوقت .، لذا فالحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية للدول لم تعد مجرد هدف ثقافي وفكري بل هدف سياسي وأمنى عالمي، لذا اكتسب مفهوم الأمن الثقافي اهميته وخطورته في الوقت نفسه وهو ما عبر عليه “صمويل هنتغتون”: “صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي”، حيث أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنوات القادمة.

تأتي هنا أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية لمصر والتي تعتبر مسئولية قومية وواجب وطني يتعين حمايته والحفاظ عليه، وأهمية دور الإعلام ووسائله المختلفة في ذلك، حيث يعتبر الإعلام أحد الركائز التي تقوم عليها العولمة حيث أن العولمة ترتكز على ركائز رئيسية منها تكنولوجيا المعلومات والإعلام، فتبين بذلك أهمية الإعلام في التأثير على الهوية الثقافية وتبين بان العولمة بدون وسائل الإعلام المختلفة لا حياة لها وبالتالي فان الإعلام له دور كبير في الحفاظ على الهوية. كما تبين أن هناك علاقة بين الإعلام والعولمة حيث تبين بان الإعلام ووسائله هو سلاح العولمة وهو الذي يمدها بالحياة.  فيجب تعزيز دوره في نشر الوعي الثقافي والحفاظ على التراث الثقافي لمجتمعنا والهوية الوطنية من خلال رسائله وأدواته ويتحقق ذلك من خلال الترويج لتراثنا وثقافتنا، والتعريف بالتقاليد الوطنية والتاريخ والجغرافيا والعادات، وإبراز القيم الوطنية الأصيلة للتغلب على محاولات التشويه والتأثيرات الخارجية الموجهة.

فالحفاظ على الهوية الثقافية في ظل العولمة تحتاج إلى وقفة جادة من الإعلام الذي يعتبر السلاح الوحيد القادر على الرد على ضربات العولمة الثقافية التي يقوم بها الإعلام الخارجي وطبعًا الإعلام ليس هو الوحيد المعني بل هناك عناصر أخرى مساعدة للإعلام في صده لضربات العولمة الثقافية التي تقصد الهوية الثقافية وتأتي تلك الضربات على شكل ظواهر هدامة القصد منها مسح مكونات ومقومات الهوية الثقافية ولابد أن يشاركه فيها كل مؤسسات الدولة بما فيها المدارس والجامعات والوسائل الثقافية المختلفة التي تعمل على مخاطبة عقول أبنائنا وتنوير الأجيال بأهمية التمسك بهويتهم وبثقافة مجتمعهم ومقاومة الأفكار والثقافات الهدامة والتي تهدف إلى هدم وتشويه الهوية الثقافية والوطنية لمجتمعنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.