كريمة حسين تكتب | الثقافة السياسية أم الوعي السياسي؟

0

الثقافة السياسية أم الوعي السياسي؟

كريمة حسين

في ظل التحولات الراهنة، التي يشهدها العالم على صعيد التكنولوجيا والإعلام، باتت الثقافة السياسية من أهم العوامل، التي تسهم في تشكيل الوعي الوطني، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الدولة. فالتحولات الرقمية والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، لم تغير فقط طريقة تبادل المعلومات، بل أعادت رسم ملامح النقاش العام، وصاغت أفكارا وقيما، تؤثر بشكل مباشر على العلاقة بين المواطن ونظام الدولة.
وتعرف الثقافة السياسية على أنها جزء محوري من الثقافة العامة للأفراد والمجتمعات، إذ تحدد قيمهم واتجاهاتهم وميولهم وتصوراتهم وآرائهم المتعلقة بالحياة السياسية في الدولة، إلى جانب النظام السياسي السائد، وما يتبناه من أيديولوجيات وسياسات وأساليب في تنظيم حياة الناس. وفي هذا السياق، تُعرّف الثقافة السياسية بأنها مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية، التي يمتلكها أفراد المجتمع، وهي تتعلق بكيفية تعامل الناس مع نظامهم السياسي.
يجدر التنويه إلى أن مفهوم الثقافة السياسية، يختلف عن مفهوم الوعي السياسي؛ فالوعي السياسي، يختص بمعرفة المواطن لحقوقه السياسية وواجباته، بينما تُعدُّ الثقافة السياسية إفرازا للوعي السياسي ومنتجا تراكميًا له، يتكون على مدى فترة زمنية طويلة نسبيا. ومن ثم، فإن وجود الوعي السياسي، أو غيابه هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة، مما يجعل الثقافة أداة رئيسية للسيطرة على الوعي السياسي وتوجيهه. ولا يمكن لأي نظام سياسي في أي دولة، أن ينظم علاقته مع الجماهير دون توافر ثقافة سياسية لدى الشعب.
وتعتبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة من أهم مؤسسات التثقيف في المجتمع، إذ تتمتع بتأثير كبير على شرائح المتلقين الذين يختلفون في مستوياتهم العمرية والثقافية والفكرية والاجتماعية. وأصبح السلاح الإعلامي من أكثر الأدوات أهمية في تقرير مصير النظام السياسي والشعب؛ فهو القادر على خلق حالة من الولاء أو الرفض بين الجماهير، ما يفسر التأثير الكبير في الذي تلعبه هذه المؤسسات في تشكيل توجهات الأفراد، وتعبئة الرأي العام نحو أهداف أو قضايا معينة.
وفي ظل الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم حاليا، تحولت وسائل الاتصال إلى أدوات سهلة الاستخدام، تتميز بسرعة الوصول، وتعدد خدماتها، فضلا عن قدرتها الفائقة على نقل وتبادل المعلومات. وقد ساعدت هذه الوسائل مستخدميها على التفاعل وتبادل التجارب والأفكار والخبرات، كما أدت إلى ظهور المدونات والشبكات الاجتماعية، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، ما أسهم في خلق نقاشات حاسمة وجادة حول العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية. وانتقلت هذه الحلقات النقاشية إلى المجال السياسي، حيث يسعى الأفراد للاطلاع على مختلف الأخبار والنشاطات السياسية التي يمارسها الجهاز السياسي والأحزاب، مما يضمن اطلاعا دائما على مستجدات الحياة السياسية في البلاد. كما ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية في تبادل الآراء والأفكار والخبرات بين المشاركين حول مختلف القضايا، كونها ساحات مفتوحة للحوار يتنوع فيها المحتوى والنقاش.
وفي ظل هذه المستجدات، تظهر الثقافة السياسية كظاهرة مؤثرة تترك أثرا واضحا على مستوى الفعل والممارسة. ورغم أن عملية التثقيف السياسي قد تتم بصورة تلقائية نتيجة تعرض الأفراد للأفكار والمفاهيم والممارسات السياسية عبر مختلف وسائل الإعلام، فإنها تظل عملية مهمة، يجب أن توليها الدولة الاهتمام الكافي، نظرًا لأنها تشكل معتقدات وقناعات المواطنين الفكرية والسلوكية تجاه مؤسسات الدولة ونظامها السياسي، والذي قد يُستغل لخلق أزمات ومصاعب لأي نظام.
ويهدف التثقيف السياسي إلى التأثير في إحساس المواطنين بالولاء والانتماء للوطن، وتعزيز الشعور بالواجب الوطني والمواطنة والفخر القومي، مع تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، بالإضافة إلى زيادة الوعي بقضايا المجتمع وتحدياته. وهكذا، تلعب الثقافة السياسية دورا مؤثرا في تحفيز الوعي السياسي وتأكيده؛ فالفكر هو أساس كل وعي سياسي، والثقافة تُعد من أهم نتائج الفكر، بمعنى أن أي فكرة تولد ثقافة معينة تحدد وتشكّل الوعي السياسي الذي يسود في مجتمع ما. وهذه الثقافة ليست وليدة الصدفة، بل هي تعبير عن مجموعة من الأفكار والقيم والهياكل السياسية والاقتصادية والمجتمعية والإعلامية، حيث أن وجود الوعي السياسي، أو غيابه هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة، ما يجعل الثقافة أداة رئيسية للسيطرة على الوعي السياسي وتوجيهه.
وينبثق أهمية الوعي السياسي للمجتمع من وظيفته الرئيسية المتمثلة في خلق وتدعيم الانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع تجاه الدولة، وهو ما يمثل قوة وضمانة لتماسك النسيج الوطني، واستقرار الدولة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما يساهم في توحيد صفوف المجتمع مع مؤسسات الدولة، لتحقيق الأهداف الوطنية، ومواجهة المخاطر والتحديات.
وبناءً على ما تقدم، فإن من مصلحة الدولة، وخاصة في ظل معركة الوعي التي تُعد قضية حاسمة ومحورية أن تعمل على بناء وعي سياسي نموذجي، يعضد الهوية الوطنية، ويرسخ مكونات الشخصية المصرية، ويتم ذلك من خلال “التعبئة الثقافية” لمؤسسات وأدوات الثقافة السياسية مجتمعة.
بهذا يستمر دور الثقافة السياسية في كونه العامل الحيوي الذي يشكل الوعي السياسي، ويسهم في بناء مجتمع متماسك وواعٍ، قادر على مواجهة التحديات المعاصرة، وتحقيق الاستقرار الوطني الشامل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.