كريم المظفر يكتب | صراع الرياضة والسياسة بين روسيا والغرب

0

تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول أداء الرياضيين الروس في أولمبياد طوكيو 2020 والتي أختتمت قبل أيام، وحصول روسيا فيها على المركز الخامس، وكذلك في المسابقات الدولية الأخرى، ومحاولات التشكيك بهذه الإنجازات، اثبتت بحسب الرئيس بوتين، ماهي الا محاولات تسييس الرياضة، وقد برهن الرياضيون الروس من خلال أدائهم بأفضل طريقة ممكنة أن جميع محاولات تسييس الرياضة تافهة، ولا معنى لها، بل وحتى ضارة ” وبوجه عام لا معنى لها” ، الامر الذي دفع رغبتنا في الكتابة في الرياضة ، التي من المفترض ان تكون بعيدة عن السياسة .
لا اكثر في الدنيا من أمر ، إلا وهو الشعور بالظلم والحيف، ورغم هذه المعاناة للرياضيين الروس، نتيجة قرار هيئة التحكيم الرياضية “كاس”، بحظر استخدام العلم، حتى على ملابس الرياضيين والنشيد الوطني الروسي في المسابقات الرياضية الدولية والذي بالطبع له دلالة سياسية، والمشاركة بشعار اللجنة الأولمبية الروسية ذات الألوان الثلاثة الروسية ، لكن هذا الامر ، من ناحية أخرى، لم يؤثر على جودة أداء وتفوق الرياضيين الروس في العديد من الفعاليات طوكيو 2020 ، وباتوا اكثر إصرارا للتحدي ومحاولة كسب المزيد من الميداليات ، ولم يثبط من عزيمة الرياضيين الروس ، حتى انهم تمكنوا من الحصول في طوكيو 2020 على ميداليات تفوق تلك التي حصلوا عليها في أولمبياد ريودو جانيرو ، برصيد (20 ذهبية و28 فضية و23 برونزية).
لست خبيرا رياضيا ، وتجربتي في لعبة كرة القدم أيام الشباب لا تسعفني في تقييم الألعاب الأخرى ، لكني أجزم من كونني محبي هذه الرياضة الأولمبية ، فمنذ شبابي أشاهد المنافسات وقمت بمراجعة جميع الأولمبياد وبطولات العالم لمدة 30 عاما في هذه الرياضة، وإذا تخبط أحد في مبادئ الحكم أو الأسلوب – اكتب في التعليقات، فقد لا أفهم هذا الموضوع الصعب، لذلك لا نريد الخوض في الأمور الفنية، فمثل هذه الأمور نتركها للفنيين وأصحاب الاختصاص في الرياضة ، ونحاول هنا استقراء الأمور كحال المتابعين للأولمبياد، التي تشد ملايين الناس اليها ، مع متابعة آراء المحللين الرياضيين .
ومن خلال الاحداث التي رافقت نشاطات الفريق الأولمبي الروسي ، اتضح وبشكل جلي أنه كانت هناك مهمة رئيسة في طوكيو 2020 ، تتمثل في ابعاد روسيا مثلا عن كرسي التتويج في الجمناستك الايقاعي الفردي ، والذي تتربع عليه منذ 25 سنة ، ، فالأول مرة ، وفي امر لا يصدق ، خسرت روسيا بطولة الجمباز الإيقاعي الفردي ، واعطيت الميدالية الذهبية للاعبة الجمباز الإسرائيلية لينا أشرم ، التي خدمت مؤخرًا في الجيش الإسرائيلي ولم تفز في أي بطولات كبرى مثل الأولمبياد ، في حين فازت دينا بالميدالية الفضية ، على الرغم من ان للاعبة الإسرائيلية لا تستحق المركز الأول ، لا لكون اللاعبة الروسية أخفقت في أدائها ، فهي بطلة العالم ل 13 مرة ، ولكن وكما يقول خبراء رياضة الجمناستك ، ان اللاعبة الإسرائيلية ارتكبت أخطاء جسيمة خلال عرضها (تشابك شريطها في أدائها ، والذي كان لا بد من تغييره) ، وبالتالي فأنها لا تستحق اية ميدالية ، ويقولون دائمًا أنه إذا كان هناك مثل هذا الخطأ ، فلا يمكن لأي شخص أبدًا ، إذا لم يرتكب الآخر نفس الخطأ ، أن يصبح بطلاً ، ناهيك عن بطل أولمبي ، بل وأكثر من ذلك في الحدث الأخير ، لقد كان هذا الامر وكما وصفته صحيفة (غازيتا ) بأنه ” مجرد وصمة عار على الجمباز الإيقاعي ” ، واتهمت روسيا القضاة بالتحيز والمبالغة في تقدير اللاعبة لينا أشرم .
اما في رياضة السباحة الإيقاعية ، فإن منتخب روسيا طالب باستبعاد المنسق الموسيقى “دي جيه – DJ” من المنافسات الرئيسية ضمن أولمبياد “طوكيو 2020″، بسبب خلطه للموسيقى أثناء أداء الفريق ، واضطر الثنائي الروسي المكون من اللاعبتين (سفيتلانا كوليسنيتشينكو وسفيتلانا روماشينا) إعادة أداء البرنامج الحر، بسبب الخطأ في اختيار الموسيقى ، وأعرب الثنائي الروسي عن امتعاضه للخطأ، بالرغم من حصوله على درجة عالية جدا، واعتذار المنسق الموسيقي ، وكان الدجي نفسه قد ارتكب خطأ مماثلا أثناء أداء الفريق الروسي في “أولمبياد أثينا 2016” أيضا ، وبحسب مدربة منتخب روسيا للسباحة الإيقاعية “التزامنية” تاتيانا دانتشينكو ، قالت “نحن نعرف هذا المنسق الموسيقي (DJ) ) منذ فترة طويلة! يبدو أنه يرتبك أثناء أدائنا، لكن… بصراحة، لا أؤمن بمثل هذه الصدف! ” .
الروس مهتمون بالحكم على أداء الرياضيين الروس خلال دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو ، وترى الحكومة ومجلس الدوما (البرلمان ) أن الرياضيين ، على وجه الخصوص ، لاعبي الجمباز أصبحوا رهائن للوضع السياسي بين روسيا والعالم الغربي ، وهو ما اكده نائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي دميتري تشيرنيشينكو بأن موسكو لن تتجاهل الموقف عندما أثرت السياسة على التقييم العادل لأداء الرياضيين الروس في الألعاب الأولمبي ، وانها ( أي موسكو ) ، لن تتجاهل الوضع الذي تبين أن السياسة فيه أعلى من التقييم الموضوعي والعادل لأداء الرياضيين الروس ، والاستنتاج واضح وواضح للجميع – مثل هذا الموقف تجاه الرياضيين الروس غير مقبول ، وأنه سيتم تحليل نتائج أداء الرياضيين من روسيا بالاشتراك مع وزارة الرياضة ، وسيتم اتخاذ تدابير شاملة لدعم الرياضة ، حيث يمكن أن تكون النتيجة أعلى ، وأنه سيتم التركيز أيضًا على زيادة عدد المسابقات ذات المستوى العالمي التي تقام في روسيا.
لا نريد هنا ان نقييم الرياضيين الروس، فهم انفسهم اثبتوا انهم يتنافسون ويتصارعون بالرياضة والسياسة معا، وان المشاكل القادمة مع ” القضاة الرياضيين ” ستزداد مع شدة الضغوطات الغربية على روسيا ، وما جرى في طوكيو 2020 ضد الروس تسبب هذا الوضع في صدى في كل من المجتمع الرياضي والسياسي ، وأثبت أن التحكيم في الألعاب الأولمبية في طوكيو كان “فاسدا” بامتياز ، ورأى العالم جميعًا تمامًا ، وفهموا كل شيء ، وما حدث مع فريق الجمباز الايقاعي يعتبر “وصمة عار للجمباز العالم كله! ، وكما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن “الأوغاد الذين بدأوا الحرب ضد روسيا ضد الرياضة لا يمكن أن يسمحوا بهذا النصر”.
لقد عوقبت روسيا على تهمة تعاطي رياضييها المنشطات، وستكون في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 في الصين، مرة أخرى بدون علم ونشيد، والسؤال هنا، لماذا روسيا وحدها تدفع الثمن، اليس من العدل عند معاقبة روسيا على تعاطي المنشطات، الاخذ بالاستنتاجات المماثلة ذات صلة بالولايات المتحدة، خصوصا وان الحديث عن القتال غير العادل في هذا المجال أتخذ أبعادًا غير مسبوقة مؤخرًا.!!
وبشكل عام، بات الأمر مفهوما للجميع، وبالتأكيد أن ما حققه الرياضيون الروس يستحق الثناء والشكر على ما حققوه في طوكيو، رغم الظروف التي تعرضوا لها ، والمناخ الصعب -والذي يمكن لأي شخص زار طوكيو في شهري يوليو وأغسطس أن يتخيل مدى صعوبة ذلك بالنسبة لشخص غير معتاد على هذه المدينة هناك ، وبدون متفرجين في المدرجات بسبب فيروس كورونا ، ناهيكم عن المكائد والمؤامرات التي أرادت الإطاحة بهم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.