لينا صلاح الدين تكتب | هلْ يجبُ علينا الاستثمار في البتكوين؟

0

في عامِ 2009 وبينما كانَ العالمُ يرثي اقتصاده الذي قوَّضته براثِنُ الأزمةِ الاقتصاديةِ العالمية، ظهرت البيتكوين كوريثٍ جديدٍ للعرشِ الاقتصادي. وما ميز هذا الوريث هو قدرته على اكتساب ثقة الجمهور التي قد فقدوها في المؤسسات المالية؛ فقد خَلَقَ جسراً مباشراً للتواصلِ بينه وبينَ الناسِ بعيداً عنْ عسْف الهيئة المركزية.

لكن ذاك الحماس الذي تأجَّجَ في الناس سرعانَ ما بدأ بالخُبوِّ فور تجلي تناقضاتها وعدم وضوحها. فرغم أن العملات الرقمية تعملُ على إخفاءِ هوية مستخدميها -بما أن التعاملَ يتم بالهوياتِ الرقميةِ حصراً- إلا أنها قد تحولتْ لكارثةٍ حينما أضحتْ طريقةً مثاليةً لمزاولةِ الأنشطةِ غير القانونية، خاصة على الشبكة المظلمة. وفيما بعد حينما تمكنت الحكومة الأمريكية من تتبع واسترداد فديةٍ تم دفعُها إلى إحدى مجموعات القرصنة، أدى ذلكم إلى التشكيك فيما إذا كانت هُوِّيةُ المستخدمين هي حقاً خفية.

رغم ذلك ومع تضاعُفِ جمهُورِها تحولت البيتكوين فيما بعد إلى استثمار مضاربةٍ على الرغم من أنه ليس لها قيمة فعلية في ذاتها، بل تعتمد فقط على مبدأ العرضِ والطلب؛ فكلما زاد الطلبُ عليها زادتْ قيمتها، وهذا ما يجعل قيمتها متزعزعة وغير ثابتة. كما أن قيمة البيتكوين تعتمد على ندرتها، فبما أنه قد تم تعدين ما يقارب 19 مليون وحدة فقط حتى الآن فإن المستثمرين المبتدئين يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى زيادة قيمتها مع زيادة الطلب، من منطلق أنه كل ما عليك فعله هو أن تجد من يملك الرغبة في شراء الأصل بسعرٍ أعلى.

المشكلةُ الأكبرُ من كل ما سبق ذكره ليست اقتصاديةً بل هي مشكلةٌ بيئيةٌ تتعلقُ بإستهلاكها الضخمِ للكهرباء والذي وصلَ مؤخراً إلى 121 تيراواط/الساعة لدرجة أن دولةَ إيران اضطُرَّت إلى أن تمنع تعدين العملات الرقمية جميعها لمدة أربعة أشهر بسبب قطوعات الكهرباء التي تسببت فيها هذه العملات؛ فمعاملةٌ واحدةٌ تتطلبُ نفسَ القدرِ من الكهرباء الذي يحتاجُه منزلٌ بأكمله.

أما فيما يتعلق بتغريدات إيلان ماسك المؤثرةِ في سوق العملاتِ الرقمية والداعمة لها، خاصة للدجكوين، فإن أتباعه يقومون بشكلٍ أعمى بتتبع كل ما يقوم به بغض النظر عما إن كان عقلانياً أم لأسباب شخصية. فالمتابع لتاريخ شركة تسلا سيلحظُ أن دعمه هذا ما هو إلا لأسبابٍ شخصيةٍ تتمثل في التخلص من هيمنة هيئة الأوراق المالية والتداولات الأمريكية (SEC) بما أنه لا يوجد لوائح وضوابط حكومية تحكم عمل العملات الرقمية، وهذا عقب الخلاف الشهير الذي نشب بينه وبين الهيئة حينما أعلن أنه يملك النية في تحويل الشركة من كونها عامة وذات أسهم متداولة في البورصة إلى شركة خاصة.

نستنتج مما سبق أن شراءَ العملاتِ الرقمية هو تجربةٌ تستحق المحاولة ولكن دخول هذا العالم ينبغي أن يكون قراراً عقلانياً مبنياً على دراسة وفهم لها، وليس على التتبع الأعمى لآراء المسؤولين والشخصيات العامة بما أن كلاً منهم لديه أسبابه الخاصة لدعم أو رفض التداول بها -كما هو الحال مع سوق الأسهم أيضاً- والتي قد لا تتناسب مع مصالحك الشخصية كفرد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.