مؤمن سليم يكتب | أصول الدولة

0

بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية وعلى مدار الشهور الماضية لم يتوقف الحديث عن بيع أصول الدولة، وبين الخطوط الحمراء والخضراء يتم تسفيه الحوار على الرغم من أهميته الشديدة وتأثيره على شكل السياسة الاقتصادية للدولة ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة.
بداية يجب علينا أن نقر بأن دور الدولة يقتصر على إدارة وحماية شئون المواطنين، وأن هذا النمط من الإدارة هو الأنجح تاريخياً، وأن التدخلات الجسيمة للدولة في النشاط الاقتصادي من شأنه التأثير السلبي على بيئة الأعمال والمناخ التنافسي وكذلك جودة الخدمات وضعف الكفاءات وقلة الرواتب.
إلا أنه وعلى فترات تاريخية متباعدة كان لزاماً على الحكومات التدخل في النشاط الاقتصادي للمجتمع وذلك لحماية منتجات أو خدمات محددة وفقاً لأزمات وظروف عالمية أو محلية، إلا أن هذا النمط من التدخل له أشكال متعددة قد تكون سياسات مالية أو نقدية أو تدخلات مباشرة في تقديم المنتجات والخدمات.
ونظراً لتضخم النشاط الاقتصادي للدولة المصرية على مدار عقود مضت بات من المستحيل الاستمرار على ذلك النهج، وليس بسبب الأزمة العالمية أو أزمة الدين المحلية فقط وإن كانت تعزز من مسار التخارج الاقتصادي للدولة. بل إن هذا الحديث على المائدة السياسية المصرية منذ تسعينات القرن الماضي وبدء برنامج الخصخصة، وذلك لتصحيح هيكل الاقتصاد المصري ولتحسين جودة المناخ الاقتصادي وكذلك جودة الحياة للمواطنين من خلال بيئة أعمال تنافسية تقدم له أفضل المنتجات والخدمات بأسعار تنافسية دون تدخلات حكومية.
وعندما يتم الحديث عن بيع أصول الدولة من خلال برنامج الطروحات الحكومية أو التخارج عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة أو البيع المباشر لتلك الأصول، لا يعني ذلك تصفير ملكية الدولة وهو أمر يستحيل تنفيذه فنياً وسياسياً، وإنما يكون الحديث بقصد تقليل نسبة مشاركة الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها في النشاط الاقتصادي وفتح مساحات أوسع للأستثمار المحلي والأجنبي بما يساعد في تعزيز التنافسية وزيادة فرص العمل ويعزز أيضاً من الإبتكار وفتح افاق لكفاءات في كافة المجالات، بما ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي وعلى ترتيب مصر في الاقتصاد العالمي.
إلا أنه يجب بداية معرفة ما هي أصول الدولة ومن أين وكيف تملكتها الدولة؟ تتنوع أصول الدولة بين شركات قطاع الأعمال والتي تديرها وزارة تحمل نفس الأسم وتضم شركات قابضة مثل القابضة للسياحة والفنادق والقابضة للصناعات المعدنية. الخ، وأكثر من مئة شركة تابعة مثل مصر للتأمين ومصر لإدارة الأصول العقارية والدلتا للصلب. الخ. بالإضافة إلى الشركات التي تتبع وزارات مباشرة بملكية كاملة أو بالمشاركة مع القطاع الخاص مثل البنوك وشركات البترول والاتصالات، وأخيراً الشركات المملوكة لهيئات أو أجهزة أو مؤسسات تابعة للدولة.
وتتنوع مصادر ملكية تلك الشركات بين شركات المواطنين والمستثمرين التي تم تأميمها في فترة إنشاء القطاع العام من الخمسينات وحتى نهاية الستينات، وبين الشركات التي قامت بتأسيسها الحكومة بفروعها من أجهزة ووزارات وهيئات تابعة لها من أموال دافعي الضرائب منذ السبعينات وحتى يومنا هذا، بالإضافة إلى إرث أسرة محمد على والتي تم مصادرتها في نوفمبر 1953 من أراضي ومنقولات واستثمارات.
والحقيقة أن هذا الكم الهائل من الشركات والاستثمار والأراضي المملوكة للدولة لو تم إفساح المجال للقطاع الخاص لإدارته وتنميته لأصبحنا في مسار اقتصادي مختلف عما نحن فيه، فمن المؤكد أن الحكومات تفشل دائماً في إدارة الاستثمارات خاصة في ظل أعباء المصاريف المتزايدة والتعداد السكاني المتنامي ونمط عمل الإدارة الحكومية المعاكس للقطاع الخاص من حيث بيئة العمل والأجور وعدد ساعات العمل ولوائح العمل والقوانين الحاكمة للعاملين في القطاع الحكومي. ولا مناص من ذلك غير التوجه نحو تقليل تلك الفجوة بين الاستثمارات الحكومية والاستثمارات الخاصة والعمل على تعزيز فرص القطاع الخاص وتشجيع المواطنين على استثمار مدخراتهم في مناخ وبيئة عمل تنافسية تحمي أملاكهم وتضمن لهم حياد تنافسي من جانب الدولة، ولا يكون ذلك دون تخارج رشيد للدولة من النشاط الاقتصادي وكذلك تطبيق قواعد السوق بشكل مجرد على كافة العاملين به قطاع خاص أو حكومي استثماري.
إلا أنه وتطبيقاً لقواعد الإفصاح والشفافية وأسس الحكم الرشيد وجب على الحكومة أن تعلن لنا بالأرقام عن القوائم المالية للشركات المملوكة لها وميزانيتها وحجم الخسائر والمكاسب، وخطتها التنفيذية للتخارج واليات تسعير تلك الأنشطة الاقتصادية التي سيتم بيعها، وبيان أوجه صرف عوائد البيع وجهة تحصيل تلك العوائد.

* مؤمن سليم، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.