مؤمن سليم يكتب | الآفاق الاقتصادية العالمية
انتهت فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الرابعة والتي ناقشت علي مدار ايام انعقاده اثار ما بعد الجائحة وكيفية توحيد الجهود الدولية للتغلب عليها، وصولًا لعدد من التوصيات التي تعكس اهتمام اقتصادي كانت ابرزها انشاء حاضنة اعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم ريادة الاعمال محليًا وافريقيًا بالإضافة الي توحيد الجهود الاممية لإعادة الاعمار في مناطق الصراع الاقليمية، واخيرًا تكليف ادارة المنتدى والجهات المعنية بالتعريف بالقضايا المائية وتشكيل مجموعة من شباب مصر والعالم للإعداد لقمة المناخ السابعة والعشرين المقرر انعقادها بشرم الشيخ نهاية العام الحالي.
أثناء انعقاد جلسات المنتدى أصدر البنك الدولي تقريره “الافاق الاقتصادية العالمية” والذي جاء محذرًا من تباطؤ وتيرة النمو العالمي مما يُفاقم من هبوط حاد في اقتصاديات الدول الصاعدة والنامية، حيث قدر التقرير تراجع معدل النمو العالمي من 5.5% في 2021 الي 4.1 في 2022 مع انحسار الطلب وانهاء تدابير الدعم على مستوي سياسات المالية العامة والسياسات النقدية في انحاء العالم. كما توقع انخفاض معدل النمو في الاقتصادات المتقدمة من 5% في 2021 إلى 3.8 في 2022 وهي وتيرة ستكفي مع ذلك لاستعادة الناتج والاستثمار الي اتجاهاتهما التي كانت سائدة قبل تفشِّي الجائحة في هذه الاقتصادات. ولكن في اقتصادات الاسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، من المتوقع ان يهبط معدل النمو من 6.3% في 2021 الي 4.6% في 2022 وبحلول عام 2023، ستكون جميع الاقتصادات المتقدمة قد حقَّقت التعافي الكامل للناتج، ولكن الناتج في اقتصادات الاسواق الصاعدة والاقتصادات النامية سيظل منخفضًا بنسبة 4% عن اتجاهاته التي كانت سائدة قبل الجائحة.
فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال افريقيا توقع التقرير تسارع معدل النمو ليصل الي 4.4% في 2022 قبل ان يتراجع الي 3.4% في 2023. أما مصر والتي حققت معدل نمو في 2020 (ذروة الجائحة) 3.3 % بما يمثل حالة استثنائية على مستوي العالم، ويُعزي ذلك الي العديد من العوامل علي راسها الاصلاحات الاقتصادية المتواصلة التي عززت من مستويات مرونة الاقتصاد المصري وقدرته علي مواجهة الصدمات، بالإضافة الي الاثر الايجابي لحزم التحفيز والمبادرات الحكومية لتنشيط الطلب الداخلي، وكذلك عدم الاتجاه الي فرض اغلاق كلي كما حدث في الكثير من دول العالم. فقد رفع البنك الدولي من معدل النمو المتوقع لمصر بنسبة 1% ليصل الي 5.5 % عام 2022 بفضل تحسن الطلب الخارجي من الشركاء التجاريين الرئيسيين، وتوسع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقطاعات الغاز، والتحسن التدريجي لقطاع السياحة وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج.
على الرغم من تلك النظرة الايجابية للاقتصاد المصري من المؤسسات الدولية إلا أنها لا تتسم بالاستقرار فمازال ينقصنا الكثير للوصول لمعدلات نمو مرتفعة ومستقرة. فمناخ الاستثمار وادوات جذب الاستثمار الاجنبي المباشر مازالت تحتاج لمراجعة تشريعية وادارية ومنهجية فلابد من تحديد قطاعات استثمارية مستهدفة وتجهيز ملفات خاصة بها لتسويقها كمشروعات وليست كأراضي، بالإضافة الي مناخ المنافسة والتوسع في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPPS).
كما أن معدلات البطالة مازالت تمثل أحد عوائق التنمية فعلي الرغم من تراجع معدلات البطالة من 9.6% في 2019 لتصل الي 7.3 % في الربع الاخير من 2020 فلا تزال معدلات المشاركة في الايدي العاملة ومعدلات التشغيل في مصر اقل من مستواها الممكن، حيث تبلغ 41.9% و39% من السكان ممن هم في سن العمل.
تجدر الإشارة هنا الي ان البنك الدولي يعكف حاليًا على اعداد دراسة تشخيصية منهجية خاصة بمصر لتوجيه إطار الشراكة الاستراتيجية لمصر للسنوات 2022-2026. بهدف التوسع في خلق فرص العمل وتحقيق الشمول الاجتماعي والاقتصادي، مما قد يساهم في حل ازمة البطالة المتوارثة عبر سنوات.
ضرورة استكمال البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية الذي أطلق حديثًا من اجل تنفيذ اصلاحات “الموجة الثانية” الهيكلية بدرجة أكبر، والبناء على الاصلاحات التي ساهمت في استقرار الاقتصاد قبل الجائحة.
واخيرًا المضي على مسار ضبط اوضاع المالية العامة من اجل خفض نسبة الدين لنسبة الناتج المحلي، وكذلك ضبط السياسة النقدية لتقليل نسب التضخم، وأخيرًا ضرورة التوسع في شبكة الحماية المجتمعية وجهود الحد من الفقر.
لم تنفصل ورش وجلسات منتدى شباب العالم عن القضايا الاقليمية والدولية ولعل توصيات المنتدى جاءت لتؤكد على ضرورة مواجهة قضايا الحد من الفقر والبيئة واللذان يمثلان أكبر عائق للتنمية، فضلًا عن إعادة الأعمار والاستثمار في الانسان من خلال الصحة والتعليم وهو الموضوع الذي كان ضيف لعدد من الورش والجلسات، وأخيرًا تشجيع الشباب وتدريبهم على تأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وانطلاقًا من توصيات المنتدى بتدشين حاضنة أعمال للشباب فأننا نري ضرورة ربطها ببرنامج احلال الواردات مع تسخير كافة الامكانيات لهذا المشروع من خبرات فنية وتسهيلات ادارية وتمويلات بفائدة لا تتجاوز 5% مع اعفاءات ضريبية شريطة احلال الواردات. لن تتوفر افاق دون تخفيف لفاتورة الاستيراد ودون توفير برنامج لرد اعباء التصدير لدعم الصادرات المصرية، وليكن هذا المشروع هدف استراتيجي نتعاون من أجله جميعًا.
* مؤمن سليم، عضو تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين.